شغلت قضية الاعتداء على مهندس، عقب اقتياده من منزله بالخرطوم، الرأي العام، ولعل مبعث الاهتمام بالأمر وبصورة فوق المعدل، هو ما أشيع حول وجود علاقة بين الحادثة ومدير مكتب رئيس الجمهورية، الفريق طه عثمان الحسين ، والذي كان اسمه حاضراً وبشكل كثيف في كثير من القصص والروايات بمواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة وسيلة التراسل الفوري (واتساب). ولعل هذا التناول الكثيف لاسم طه في كثير من القضايا يلفت الانتباه حول سر ذلك الطرق على اسم الرجل الذي يشغل منصباً مهماً وحساساً بالدولة ويفتح باب الأسئلة ما السبب وراء ذلك. كثير من المسائل التي زج فيها باسم طه ، سرعان ما تبخرت في هواء الحقيقة وتأكد أنها لم تكن إلا مجرد فقاعة شائعة، وأنها كملعقة سكر في برميل ماء – حيث لا أثر له ولا طعم. تشهد البلاد في المرحلة المقبلة والقريبة جداً تحولات كبيرة ستكون هي الأكبر من نوعها في عهد الإنقاذ، والتي تستدعي تنازلات من كل الأطراف بما فيها الحزب الحاكم، كما قال مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم محمود أمس أثناء معايدة حزبه. لكن يتجدد السؤال لماذا طه؟ ومن يقف وراء تلك المدفعية الثقيلة التي تصوب إلى صدر الرجل، ولم تنتاشه طلقة واحدة منها أو حتى لم يصله (رايش) ؟ هناك حزمة عوامل تجعل طه محط أنظار أيّاً كانت.. لكن دون شك تحاول جهات أو شخصيات إبعاد طه من موقعه، بل من المشهد برمته وفقاً للمعطيات التالية. أولاً: طه من خلال موقعه الحساس والمهم هو لاعب محوري وجزء أصيل في عملية التغييرات المرتقبة التي ستشهدها البلاد، على الأقل من خلال إطلاعه على الملفات، إن لم يكن مشاركاً فيها بالرأي و(ممحصاً) للمعلومات، و بالتالي من مصلحة جهات ما التشويش عليه توطئة لإبعاده. ثانياً: كثير من المجموعات والجهات تحسد طه سياسياً على الثقة غير المحدودة التي يوليها له الرئيس والتي لم ينلها أي رجل منذ قدوم الإنقاذ، ربما عدا النائب الأول بكري حسن صالح والراحل صلاح ونسي واللذين كانا قريبين جداًمن الرئيس. وثقة الرئيس في طه كبيرة بدليل ترقيته إلى رتبة الفريق أمن، وهي من الرتب الرفيعة جداً في المؤسسة الأمنية، فضلاً عن ذلك فإن طه كان سفيراً، هذا إلى جانب إنه مدير لمكتب الرئيس بالقصر ومجلس الوزراء. غير متناسين أن نيل ثقة الرئيس ليست بالأمر اليسير ، بل إن مجلسه الخاص ضيق جداً، والذين دخلوه قلة، أعني من هم دون النائب الأول السابق علي عثمان وكانوا ثلاثة فقط (صلاح عبد الله قوش والوزيران السابقان أسامه عبد الله وكمال عبد الله) وللمفارقة ثلاثتهم خارج الملعب السياسي، وهؤلاء لم تتح لهم تلك الفرصة إلا عقب قضاء علي عثمان محمد طه لنحو عام ونصف العام في مفاوضات نيفاشا، وهو المناخ الذي استفاد منه أيضاً د. نافع علي نافع، وبالتالي أقصر طريق للوصول إلى الرئيس هو منصب الفريق.. ثالثاً: استهداف طه ، في جزء كبير منه معني به الرئيس نفسه ، فبعد فشل محاصرة البشير عبر الجنائية جاءت الخطة (ب) بتوجيه السهام للمقربين منه وأبرزهم طه. رابعاً: لم يكن طه هو أول مدير لمكتب الرئيس وسبقه مدير الشرطة الحالي هاشم عثمان ، ولكن اعتماد الرئيس على طه كان الأكبر من نوعه، بدليل أنه عين مبعوثاً رئاسياً وتولى كثير من الملفات الخارجية المهمة جداً في العلاقة مع دول الخليج ، فبدأ نجم طه يلمع مما يعني زيادة عدد أعداء النجاح. خامساً: نجاح طه في تحسين العلاقات مع دول الخليج وبالتنسيق مع الخارجية، أضر بمصالح (بعض) معارضي الحكومة الذين لهم علاقات سرية مع دول خليجية كانوا يوهمونها بمسألة اقتراب سقوط النظام، وبالتالي طبيعي أن تتحرك تلك المجموعات لوقف تقدم طه بشتى السبل. سادساً: واضح أن المجموعات التي تعمل ضد عثمان ، متعددة بدليل أن كل مرة يتم حبك رواية ضعيفة الإخراج وعندما تتبخر، سرعان ما يتم نسج قصة جديدة، والهدف تشوية صورة الرجل، فحتى المسائل الاجتماعية استثمرها خصومة وقد روجوا أنه سيتزوج من موريتانية وسيدفع مهراً يصل ملايين الدولارات ، مايعني امتلاكه أموالاً طائلة ، لوصمه ب (الفاسد). سابعاً: حاول البعض الطرق على أن طه ليس بإسلامي، وهو الأمر الذي تداولته (قروبات) إسلاميين، هدفت لإيصال رسالة عدم جدارته للمنصب، وفوّت الرجل الفرصة، حيث ظل يباهي بأنه ختمي وهذا لايمنع أن يكون مؤتمراً وطنياً كما أنه مشهود له بقيامه بأدوار كبيرة داعمة للإنقاذ. ثامناً: محاولات إخراج طه من القصر، ليست بجديدة، ولعل تعيينه سفيراً كانت محاولة ناعمة، لتنفيذ تلك الخطة، حيث لا يجرؤ أحد أن ينقل إلى الرئيس مقترح إبعاد طه. تاسعاً: مما يقلق خصوم الفريق هو بناؤه علاقات خارجية قوية في فترة وجيزة خاصة مع أمراء المملكة السعودية، و شيوخ الإمارات، وهو ماعجزت عن القيام به قيادات بالإنقاذ بعضها كان يدعي عمق صلاته بالخليج. عاشراً: بدأ كعب الأمنيين يعلو في الحكومة، وبلغ طه أعلى مراتبه بترقيته فريقاً، وفي ذات الوقت وزيراً للدولة بالرئاسة ومديراً لمكتب الرئيس، وقطعاً ينسحب ذلك على آخرين ويرون أنه خصم عليهم مما يدفعهم لإبعاده. حادي عشر: إبعاد طه قد يأتي في إطار التنافس المحموم بين السياسيين والعسكريين - وهي مسألة خفية – أساسها تقليل الأوائل لمساحة تواجد الآخيرين وهو مايعرف بدحرجة العسكريين، وهي مسألة قديمة تعود للعام 1993م عقب قرار الإسلاميين حل مجلس قيادة الثورة وسعيهم إرخاء قبضة (العسكر) وهو ماعجل ب(المفاصلة). أخيراً: قد يكون بعض ممن يسعون للنيل من طه، ممن غادروا السلطة باعتبار أنه كان سبباً في خروجهم لجهة أنه قريب من الرئيس.