في صالة كبار الزوار بمطار الخرطوم كان سفير دولة الجنوب بالخرطوم ميان دوت منهمكاً في مطالعة صحف الخرطوم السبت ، فيما كان مفوض العون الإنساني بالإنابة يقلب أوراقه .. أما وزيرة الرعاية مشاعر الدولب فكانت تتحدث بجدية لوالي النيل الأبيض د.عبد الحميد موسى كاشا ، والذي كان يصغي إلى حديثها باهتمام كبير .. كان الوفد في طريقة إلى بحر أبيض .. كانت الدولب وقتها تحمل صفة أرفع من صفتها الوزارية حيث كانت ممثلة رئيس الجمهورية في حفل تدشين المساعدات الإنسانية التي قدمها السودان بتوجية من رئيس الجمهورية إلى شعب الجنوب. ربك: أسامه عبد الماجد مواساة ومواخاة جالت بخاطري حزمة من الأسئلة والتي ستكون في أذهان الكثيرين عن سر المكرمة الرئاسية، من المساعدات الإنسانية وفي هذا التوقيت !! ، وهل العلاقة بالجنوب بذات المستوى الأخوي الكبير والودي الذي يجعلنا نقدم لهم كل تلك المساعدات ؟؟ وغيرها من الأسئلة. قلت في نفسي حسناً لنؤجل الإجابة ونترك الأمر ل(شوف العين ) ، في بحر أبيض بالفعل هبطنا مطار مدينة كنانة .. دقائق معدودات وتحرك رتل من السيارات صوب محلية ربك. هناك تراصت عشرات الشاحنات وكانت تحمل مواد من الذرة والإيواء .. غطت لافتات المؤسسات بالولاية المكان كانت تتحدث عن المكرمة الرئاسية، واحدة منها كتبت عليها شكراً ياريس تلك العبارة التي أضحت ماركة مسجلة لشمال كردفان. ولافتات أخرى تتحدث عن عمق علاقات البلدين ومتانتها ، ثم شباب الهلال الأحمر تقول لافته يحملها شاب، معاً نحو علاقات جوار آمن.. كانت اللافتة تحمل معنىً عميقاً، وتحمل كثيراً من الدلالات. طواف الوفد مرت ممثل رئيس الجمهورية الوزيرة مشاعر الدولب والوالي عبد الحميد كاشا على الشاحنات المتراصة في صف طويل .. كان البرنامج خاص برئاسة الجمهورية وبتوجيه مباشر من الرئيس شخصياً ، وربما لذلك كان التنظيم دقيقاً وكان البرنامج مرتباً ودقيقاً. كان الدعم الإنساني كبيراً حيث قدره نائب مفوض العون الإنساني بنحو (2500) طن من الذرة والتي هي نحو (27500) جوال وهي مؤنة تسد رمق (400) ألف أسرة جنوبية، ومواد إيواء تقدر قيمتها بنحو (12) مليون جنيه، وهي دفعة أولى من مشروع الجسر الجوي الإنساني الذي أعلنه الرئيس البشير إلى شعب دولة الجنوب. سر الدعم كشف سفير الجنوب ميان دوت سريعاً عن سر المكرمة الرئاسية، والتي قال إنها جاءت بناءً على طلب تقدم به نائب رئيس بلاده تعبان دينق ، للرئيس البشير إبان زيارته مؤخراً للخرطوم ، فجاءت الاستجابة السريعة من رئيس الجمهورية. وقال ميان : (هي خطوة عظيمة من الرئيس البشير لشعب الجنوب وبشرى سارة لمواطني ولايات بحر الغزال الكبرى، والجار لو كان جائع تمد ليهو إن شاء الله ملح)، والسودان ظل يمد لينا العون. ممثل الرئيس البشير ، الوزيرة مشاعر الدولب أكدت أن الخطوة بتوجيه مباشر من الرئيس، وقالت إن تقديم العون الإنساني العاجل يأتي في إطار تعزيز العلاقات مع دولة الجنوب، ويؤكد على توجه الدولة العام والخاص بفتح الممرات الإنسانية مع دول الجوار. كان بائناً أن الحكومة هدفت لتسليم المساعدات الإنسانية من الصوامع بالنيل الأبيض مباشرة ، حيث مخازن المخزون الإستراتيجي ، بدلاً أن يكون الأمر بالخرطوم، وذلك كون النيل الأبيض ولاية حدودية لتكون الرسالة أبلغ وأشمل. لكن وضح البعد السياسي الكبير في المكرمة الرئاسية، حيث أكدت الحكومة ذلك على إيلاء الملف الإنساني أهمية خاصة، وقد نوهت ممثل الرئيس لذلك وقالت إن الحكومة تنظر للقضية الإنسانية وخاصة في النيل الأزرق وجنوب كردفان بعين الاعتبار، وإن الملف الإنساني فوق كل شيء. وأعلنت مشاعر جاهزية الحكومة لإيصال المساعدات الإنسانية ، وقالت إن السلام هدف إستراتيجي نسعى إليه. أهمية بحر أبيض كانت خطوة ذكية من والي النيل الأبيض د.عبد الحميد موسى كاشا، عندما وضع برنامج للقاء للوفد الزائر مع أعضاء المجلس التشريعي، ولعل أعمق وأمتن علاقة بين الجهازين التنفيذي والتشريعي بجميع الولايات هي الماثلة في النيل الأبيض .. وقال كاشا إن السودان ملاذ آمن لكل دول العالم.. واحتفى تشريعي الولاية بالضيوف بشكل كبير، وقد زينت جدران قاعة المجلس بلافتات حملت معاني الأخوة مع دولة الجنوب. مفوض العون الإنساني بالنيل الأبيض محمد إدريس قدم كلمة رصينة ومعبرة حتى أنه عقب فراغه منها، علق كاشا عليها وقال (إن الرجل مزاجه رايق) .. لكن إدريس وحكومة بحر أبيض يحملون عبئاً ثقيلاً، حيث يتواجد عشرات الآلاف من الجنوبيين بالولاية في نقاط الانتظار بينما تحتضن الولاية سبعين ألف جنوبي جاءوا في ظروف صعبة يقيمون في أطراف المدن وعلى طول الشريط النيلي. المفوض الولائي نوه إلى أن السودان يضطلع بدوره الرائد تجاه أبنائه وتجاه أبناء الجنوب، وقال إن أصاب الناس الهلع لم تسجل ذاكرة هذا الوطن إلا اليقين وأضاف: ( الشعب السوداني لا يبحث عن قيمته في أعين الناس وإنما في الضمير). أنصف المفوض محمد إدريس الحكومة وبرر لها تقديمها للدعم الإنساني لدولة الجنوب،عندما تلا أبيات القصيدة ذائعة الصيت (الناس للناس). الناس للناس مادام الوفاء بهم والعسر واليسر أوقات وساعات وأكرم الناس ما بين الورى رجل تقضى على يده للناس حاجات لا تقطعن يد المعروف عن أحد ما دمت تقدر والأيام تارات واذكر فضيلة صنع الله إذ جعلت إليك لا لك عند الناس حاجات قد مات قوم وما ماتت فضائلهم وعاش قوم وهم في الناس أموات ولعل لسان حال سفير دولة الجنوب يردد كلمات الشاعر الذي أكرمه أحد الخلفاء وقد جاء يحمل جرة على كتفه ملأها له الخليفة ذهباً فأنشد يقول: ولما رأيتُ القومَ شدوا رحالهم إلى بحرِك الطَّامي أتيتُ بِجرتّي وقد جاء السفير وبمعيته دبلوماسيون من سفارة بلاده ، وشباب من الجنوب وقفوا على إجراءات تسلم الشاحنات واستخراج إذن المرور لها من السلطات بولاية النيل الأبيض، وقد وجه كاشا القائمين بالأمر بالإسراع في إنجاز المهمة. جسر إنساني نائب مفوض العون الإنساني الاتحادي أحمد محمد عثمان قال إن المكرمة الرئاسية تمثل جسراً إنسانياً ، يمتد من شعب السودان إلى إخوته في دولة الجنوب، وقال العلاقة بين السودان والجنوب علاقة شعب واحد يقيم في دولتين. وأشار إلى أن يوم تقديم المساعدات يجسد ملاحم تاريخية تستدعي عطاء السودان من لدن مملكة مروي وسوبا والمساعدات الإنسانية للسلطان على دينار وآباره ومحمله، وقطع عثمان بأن شعب السودان جُبل على النفير وتقديم المساعدات للجيران وقت المحن. واعتبرت ممثل الرئيس الوزيرة مشاعر أن تقديم المساعدات خطوة تمثل واحدة من مؤشرات الإسهام الرسمي في تعزيز السلم الاجتماعي، ورسالة للعالم بأن السودان يضع إمكاناته الإنسانية تحت خدمة جيرانه، وقالت إن توجه السياسة الخارجية هو توجه عام حيال القضايا الإنسانية، استناداً على أن السودان جزء من المنظومة الدولية ويعمل بمبادئها حيال الشأن الإنساني، وشددت على أنه متأصل في كل أهل السودان. بحر أبيض .. جني الثمار استثمر الوالي كاشا زيارة الوزيرة مشاعر لولايته وتناقش معها بمطار الخرطوم حول الأوضاع ببحر أبيض وقدم لها تنويراً سريعاً بشأن الدورة المدرسية ومشروعات التنمية وبعد أن فرغ كاشا من كلمته أمام المجلس التشريعي، قدم الدولب، وأشار إلى أنه بالإمكان التعامل معها الآن كوزيرة للرعاية بجانب أنها ممثلة للرئيس وكان الوزيرة عند الوعد حيث تعهدت بتقديم مشروعات مستدامه لأربع محليات بالولاية على رأسها محلية السلام والجبلين كونهما تحتضنان السودانيين العائدين من دولة الجنوب، والوافدين الجنوبيين. وشددت على أن الحكومة مع خيار التنمية، وكشفت عن خطة للانتقال من نهج الإغاثة والعون الإنساني إلى التنمية. حضور دولي كان لافتاً في حفل تقديم المساعدات مشاركة الأممالمتحدة ووكالاتها، وقد تحدثت ممثلة وزارة الصحة العالمية بالسودان والتي أنابت عن الأممالمتحدة، نعيمة القصير، ونوهت إلى احتفال الأممالمتحدة بيوم السلام، وهاهو السودان يعززه في علاقته بالجنوب، وثمنت دور الحكومة بتوفير المساعدات للجنوب وتوفير الممرات الآمنة للجميع، وأضافت نشيد بهذه الجهود والتعاون بين البلدين.