لم تصلني دعوة رسمية أو شخصية لحضور احتفالات إذاعة ساهرون «صوت الشرطة السودانية» مكتوبة أو شفهية فاعتبرت ذلك تجاوزاً خطيراً لشخصنا الكريم» إذ إنني اعتبر نفسي رقماً لا يمكن تجاوزه فقد كُنت أحد المؤسسين «لوحدة ساهرون» بوزارة الداخلية على عهد اللواء الركن طبيب الطيب إبراهيم محمد خير» وزير الداخلية.. فكنت رئيس الوحدة وكان إسماعيل عيساوي المخرج الأول وكانت الملازم احتفال حسن المذيع المُتعاون.. وانطلق من الوحدة برنامج ساهرون التلفزيوني والذي سبقنا إليه المخرج صالح مطر «ردَّ اللّه غربته» وكان مدير عام الشرطة الفريق حسن أحمد صديق شديد المعارضة لنشاطنا الإعلامي خاصة الفقرة الدرامية وهي محاكاة لجريمة وقعت فعلاً فيقول أنتم بتعملوا للناس بروفات حيّة لأساليب ارتكاب الجرائم!! ثم انداح اسم ساهرون ليصبح اسماً لمستشفى حديث ولمركز إنتاج إعلامي ولإذاعة «FM» ولمشروع فضائية.. ولغير ذلك.. ونمت وفي نفسي موجدة من «الكجر» أي البوليس في لهجة البداويت.. البجا في شرق السودان والتي يُجيدها الفريق أول شرطة هاشم عثمان مدير عام الشرطة ود. عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم.. ودب النعاس الى أجفاني وأنا أردد في نفسي «الكجر اللّه هبا هُوك» يعني الله يلعن البوليس!!. ü وأخذتني سنة من النوم وطافت بخيالي النائم صورة الفتاة «المحدودة» بحدود اللّه والحملة التي قادتها أكبر البيوت الدينية من حفدة الإمام المهدي الذي كان من أسباب ثورته أن بلغه خبر واقعة زواج رجل برجل مثله!! ولكن حفيدته تحارب حدود الله.. يعني حنعرف الدين أكثر من المهدي وتلبّسني شيطان رجيم فقررت الوقوف «ضد الشرطة» فأصدرت القرار الآتي نصّه.. بعد الإطّلاع على توصية الشيطان المختص وإعمالاً لنص المواد كذا وكذا من «دستور الفوضى الخلاقة» يصدر القرار الآتي «أ» حل جهاز الشرطة الموحدة «ب» إحالة كل منسوبي الشرطة من مديرها إلى أحدث «مستجد» للمعاش«ج» حرمان جميع منسوبي الشرطة من هم بالخدمة ومن بالمعاش من فوائد ما بعد الخدمة «د» تحويل كل أصول الشرطة من عقارات ومنقولات ومركبات الى شركات استثمارية يعود ريعها لأرباب السوابق ومعتادي الإجرام ومترددي السجون وضحايا شرطة النظام العام.. صدر تحت توقيعي في ليلة ظلماء ونهار أغبر من سنة ماجلة.. وساقتني أطغاث الأحلام الى رؤية رجال الشرطة يطاردهم اللصوص والمجرمون وهم يصرخون فيهم «ياهو البوليس» بديلاً عن الهتاف المعتاد «ياهو الحرامي ياهو» ورأيت قادة الشرطة العظام يفترشون الأرض يبيعون الطماطم المكسورة والبيض الفاسد وأكياس البلاستيك ويقودون الدرداقات ويتلفتون في فزع يمنة ويسره خشية رجال المحلية الأشاوس الحارسين مالنا ودمنا!!؟ وبردت بطني وأنا أردد الكجر هبا هوك.. يستاهلوا البوليس أولاد الذين!! ورأيت عربات الشرطة وقد تحولت الى شركات ليموزين.. وأقسام الشرطة ونقاطها وقد تحولت الى أندية للديسكو وال دي جيه.. وصالات للبلياردو والبارات الأمريكاني وتحولت نقاط بسط الأمن الشامل الى محلات لتدخين الشيشة وتحول سلاح الشرطة إلى متاحف تحكي قهر الإنسان لأخيه الإنسان.. عشان تاني ما يجلدوا «فاجرة» أو ينسوا يعزموني في عيد ساهرون.. وخرجت أقود سيارتي في الشارع فلم أتمكن من تجاوز أول إشارة لاضطراب حركة السير والتي تبرع لتنظيمها المساجين الخارجين لتوهم من قبضة الشرطة ووجودها فرصة لممارسة النشل «والكُرُب» والقلِع عيني عينك والكسر المنزلي وتزوير المستندات ومعاقرة الخمر في قارعة الطريق.. ومعاكسة البنات الكاسيات العاريات والمحجبات على حد سواء.. وتدخين الحشيش في الهواء الطلق.. وحمل السلاح الناري جهاراً نهاراً.. وترويع الآمنين وسفك دمائهم وهتك أعراضهم واستباحة أموالهم.. يلا بلا بوليس بلا دوشة.. أنا شيوعي وسكران ومسطول وحلايب مصرية.. وشريعة مافي.. وعمر البشير سرق تسعة مليارات من أموال الشعب السوداني وأودعها في بنوك أوربا التي يحبها وتحبه تحت تحت!! وعند هذه النقطة الأخيرة فزعت من النوم.. هي حصلت لحدي كده الرئيس ابن البلد؟! ألم يكفهم اتّهامه بجرائم الحرب والإبادة الجماعية والاغتصاب والتهجير القسري!! فلما التف الشعب حوله ها هم يدقون إسفيناً بينه وبين الشعب الذي أحبه وانتخبه رئيساً له.. ليقولون له ها هو رئيسكم الذي تدافعون عنه بأنفسكم وأبنائكم ينهب ثرواتكم ويحولها إلى حسابه الخاص!! الشيطان عملها ظاهرة «وجابها وارمه» المرة دي!! وانتبهت من نومي والمآذن تصدح بنداء الفجر وخرجت من غرفتي فإذا بأبواب المنزل مفتوحة بعدما نامت ابنتي التي عهدنا إليها بإحكام إغلاق البيت فتركته على حاله.. ونحن جميعنا نغُط في نوم عميق تحرسنا «عين» الشرطة التي أراد الشيطان فقأها «ويدها» التي يُراد قطعها.. فطوبى لعين تسهر في سبيل اللّه.. اللّه يخزيك ويلعنك يا إبليس والله يحفظك يا بوليس.. وكل عام وأنتم بخير يا ساهرون... وهذا هو المفروض،