الفولة : الدبب : أسامة عبد الماجد رافقت نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن في زيارات عديدة للولايات، بما فيها غرب كردفان والتي زارها نحو ثلاث مرات، إلا أن الزيارة الرابعة هذه كانت مختلفة من سابقاتها، كانت رحلة اليومين غاية في الأهمية، وفي ذات الوقت بالغة التعقيد، حيث كانت رحلة البحث عن استتباب الأمن وإنزال الصلح بين بطون المسيرية أولاد عمران، وأبناء عمومتهم من الزيود الى أرض الواقع. كان الدافع قوياً لدى النائب ووفده لأجل التوصل الى اتفاق سلام مستدام.. وكانت عزيمة والي غرب كردفان الأمير / ابو القاسم بركة أكثر قوة. صراع مرير: تعطلت التنمية كثيراً بغرب كردفان بسبب الصراعات القبلية، خاصة بين الزيود وأولاد عمران، وهو صراع قديم متجدد عمره نحو عقدين من الزمان، أدى لمقتل نحو ألف من القبيلتين، وقد أولاه نائب رئيس الجمهورية عنايته الخاصة بمتابعة مباشرة من رئيس الجمهورية. ولعل السبب الرئيس في ذلك أن المناطق التي تقطنها تلك القبائل هي مناطق حدودية مع دولة الجنوب، فضلاً عن ذلك أن الولاية بترولية، وبها أهم منطقتين هما هجليج وبليلة، وتمثل صمام أمان للبلاد.. وبالتالي وضح من خلال زيارة النائب أن الحكومة تولي الولاية عناية خاصة، وتتابع ملفاتها بشكل دوري.. وقد ازدادت حالة الاستقطاب ووتيرة الصراع القبلي بعد اكتشاف البترول، حيث أصبحت للأرض قيمة. هبطنا مطار بليلة وسرعان ما دخل نائب الرئيس والوفد المرافق له في إجتماع، حيث تم تقديم تنوير أمني شامل لحسبو عن الأوضاع بالولاية، وفي التنوير وجه حسبو بحسم المتفلتين وردعهم.. كان الوفد المرافق للنائب قد اختير بعناية، وكل منهم ذو صلة وثيقة بالملف، حيث ضم وزير الدولة بالدفاع الفريق الركن على سالم، وزير الدولة بالخارجية د. عبيد الله محمد عبيد الله (من المسيرية أولاد عمران)، وبالشباب والرياضة د. حسين حمدي (المسيرية أولاد عمران)، عضو البرلمان ابن المسيرية د. عيسى بشرى ووكلاء وزارات المالية د. مصطفى حولي، العدل مولانا أحمد عباس الرزم، النفط والغاز عوض الكريم محمد خير، وممثل وزير الداخلية الفريق شرطة كمال عبد المنعم بجانب ممثل لمدير جهاز الأمن والمخابرات برتبة لواء. مهمة شاقة: عبر مروحيتين غادرنا الى ديار الزيود، بمنطقة سنيطاية، وهي منطقة نائية وخالية من أي معالم تنموية، هناك كان الاستقبال كبيراً لنائب الرئيس وقد تجمع الزيود وقبائل أخرى بالمنطقة، وتوافدوا لاستقبال حسبو، وتمت تهيئة المكان للقاء جماهيري كان بمثابة مكاشفة. تحدث فيه ناظر المسيرية الفلايتة عبد المنعم، والذي دعا الجميع لتقدير زيارة النائب، وتعهد بأن يكون شعارهم (لا للحرب نعم للسلام)، فيما قال ناظر المسيرية الزرق إن قدوم نائب الرئيس دليل اهتمام الرئاسة بالقضايا. القضايا. ابن المسيرية القيادي المعروف د. الدرديري محمد أحمد تحدث مع أهله حديث القلب للقلب، واستصحب السيرة مستشهداً بالمواخاة بين الأوس والخزرج، وقطع بعدم وجود صراع بعد ذلك بين الأنصار. واستغل الدرديري ذكرى مولد المصطفى الكريم، واطلق دعاء ردده من خلف الحشد الضخم، وسأل النبي الكريم أن يُوفق الأهل في الزيود وأولاد عمران في التآخي بينهما، كما تآخى الأوس والخزرج، ونبه الدرديري أهله الى أن نائب الرئيس قصد من الزيارة أن يلتقي الأهل وجهاً لوجه. بينما مضى حاكم كردفان الأسبق والقيادي المسيري عبد الرسول النور في ذات خط الدرديري، وأقر بأنهم شغلوا الدولة بقضاياهم أكثر من اللازم، وتقدم باعتذار للنائب بذات الخصوص. وناشد نائب الرئيس بإعمال الحزم الشديد مع العدل وقال: (أي شخص يتخطى القانون على الحكومة أن تعمل فيهو العاوزاه).. ونوه عبد الرسول الى أن كل من يعيش في دار مسيرية هو مسيري. لقاء تحت الأشجار تحدث نائب الرئيس في اللقاء الجماهيري ، وحث الجميع على التكاتف والوحدة ، وقال القتل والموت سيعودان بكم إلي الوراء وسأل الزيود مباشرة (منو بحرشكم وليه بتتقاتلقوا وأهلكم أولاد عمران) ؟ بينما اعتبر الوالي أبو القاسم بركة أن زيارة حسبو لها مابعدها ، وقال للمواطنين لم يأت النائب إلا لحقن الدماء وإعادة البسمة وطالب المواطنين بأن يكون العهد صادقاً ونعطي الأخ النائب اللحم والسكين. وكان بعد نهاية اللقاء الجماهيري لقاء خاص مع قيادات الزيود والذي تم تحت شجرة ضخمة ، جلس تحتها النائب ووفده يبحثون السلام الاجتماعي ، كانت الأبقار تحوم حول المكان ، كان المنظر رائعاً فتذكرت مجلس الشهيد الزبير محمد صالح تحت الأشجار في أدغال الجنوب مع المتمردين وهو يقسم بأنهم سيبحثون عن السلام في كل مكان حتى لو كانت حياتهم مهراً له. صراحة النائب بدأ حسبو حديثه بصراحة زائدة، ولم يجامل الحضور وطلب من قيادات الزيود التحدث بذات الشفافية والولوج مباشرة للقضية مع الإجابة على السؤال المحوري لماذا تعثر تنفيذ مقررات الصلح مع أولاد عمران رغم إبرام تسوية في مدينتى النهود والضعين ؟ قدم حسبو درساً في الشفافية عندما كشف عن محاصرته لقيادات القبيلتين بالمركز وأنه عقد إجتماعاً معهم بمنزله بالخرطوم ، وهاهو قد جاء للبادية ليري الواقع. وكانت توجيهات النائب واضحة ، تمثلت في إزالة التعبئة الزائدة ومراجعة مقررات الصلح والخروقات والالتزام بدفع الديات والتي شدد عليها حسبو كونها تخص الأرامل واليتامي والعجزة وكبار السن من الطرفين وأخيراً وقف العدائيات. وهي ذات المسائل التي طلب من أولاد عمران تنفيذها. كان نائب الرئيس مدهشاً وهو يدير النقاش بكل هدوء رغم سخونة الحديث الذي كان يخرج من صدور قيادات الزيود وحالة الشد التي كان عليها الكثيرون. ومما ساعد في التوافق هو السعادة التي غمرت الجميع بزيارة النائب حتى أن عدداً منهم قالوها صراحة (والله ما مصدقين السيد نائب الرئيس معانا). وفي نهاية اللقاء حصد النائب ماكان يرجوه . محلية الدبب .. الحاسدين كتار في اليوم الثاني للزيارة أقلتنا مروحيتان الي محلية الدبب التي تحادد دولة الجنوب كان الترحيب كبيراً بنائب الرئيس ووفده واحتفى اهل المنطقة بابنهم مؤسس المحلية القيادي د/ عيسى بشري الذي حملوه على الأعناق كنجم كرة قدم وكان بشرى يومها كذلك ،وقد كان أول المتحدثين في اللقاء الجماهيري وامتدح بدءً والي الولاية أبو القاسم وقال أنه جمع الولاية على قلب رجل واحد وساهم في تحريك عجلة التنمية وأشارالي وجود عدو فرق بين أولاد عمران والزيود وطالب الجميع بالصبر وأن هناك كثر حاسدين المنطقة كلها ، بينما دعا عبد الرسول النور لتفريغ الشحنات الزائدة لإزالة الاحتقان وطالب بفرض هيبة الدولة . أما الوزير د. عبيد الله فقد تحدث إنابة عن اللجنة المشتركة بالمركز من أبناء الطرفين وكان الوزير حسين حمدى تحدث إنابة عنها في سنيطاية. كان واضحاً جداً أن صراحة نائب الرئيس وشجاعته في القول انتقلت الي عبيد الله الذي أكد للحضور بأنهم لم ولن يكونوا سبباً في الأزمة كونهم أبناء المنطقة بالخرطوم وشدد على الالتزام بوقف العدائيات وتحديد المسارات ودفع الديات. وأكد أن الدبب للجميع ولو أصبحت تبعاً لقبيلة بعينها لن تعمر. النائب .. الحديث الساخن إمتدح حسبو مجاهدات المسيرية ولكنه وجه لهم صوت لوم بان يكون كل وقتهم قتل وضرب وخصام وقال : (لا يعقل كل الوقت سكيني سكينك وبندقيتي بندقيتك). أما في اللقاء الخاص مع قيادات أولاد عمران فكان أكثر سخونة وحدثت فيه مكاشفة وتم توضيح الحقائق لكن المهم هو تعاهد الجميع على طي صفحة الخلاف. في طريق العودة للخرطوم قلت للنائب والله شغلتكم دي حارة فإجابته بضحكة مجلجلة كانت دليلاً على نجاح الزيارة.