أشهد وأنا المتابع لقضية الجنوب منذ الصغر أن مطالبة المثقفين الجنوبيين بالانفصال عن الشمال قد بدأت قبل 1983م عام تطبيق الشريعة الإسلامية، والمعلوم يا سادتي ويا أخي عبد الرحمن شلقم رئيس الدبلوماسية الليبية السابق كانت أحداث تمرد توريت في عام 1955م حيث تكفل الإخوة العسكريون الجنوبيون بارتكاب مجزرة جماعية ضد الشماليين وأسرهم، إبادة جماعية شهدت بها تقارير اللجان التي كلفت بإعدادها وكان التمرد بغرض الانفصال عن الشمال وإضعاف الحكومة الوطنية بزعامة الرئيس المغفور له بإذن الله إسماعيل الأزهري، وقد بدأت الحرب بين الوطنيين الجنوبيين وجيش الحكومة منذ ذلك التمرد والذي لحقته حركات تمرد «أنانيا 1» و «أنانيا 2» والحركة الشعبية أخيراً، وكانت البلاد تحت قيادة الحزبين الكبيرين (الأمة الجناح السياسي لأنصار الدين، والاتحادي الجناح السياسي للسادة الختمية)، وقد جاء استقلال السودان الذي أيدته القيادات الجنوبية مشروطاً بمنح الجنوب الفدرالية ورفضت الحكومة آنذاك منح الحكم الفدرالي للجنوب لأنّها حكومة حديثة عهد بالحكم ولأن الاستقلال مولود جديد كان لابد من الحفاظ عليه وكان ردها «No no federala tion Sudan one nation». يا إخوتي إن الشريعة لا دخل لها ولم تكن سبباً في قانون المناطق المقفولة، والتفرقة المقصودة بين إنسان الشمال وإنسان الجنوب، و إن سكوت العالم عن استمرار حرب الجنوب لم يكن بسبب الشريعة. الشريعة جاءت في عام 1983م وأضافها الإخوة في الجنوب لأسباب الانفصال فهي ليست السبب ولكنها اتخذت موقفاً سياسياً بدعم دولي لرغبة الجنوبيين في الانفصال. إذ إن الشريعة في الإنقاذ استثنت الجنوب كله من أحكامها إلا من رغب في تطبيقها، عليه التطبيق في الجنوب كان شخصياً، بل حرصنا على عدم التدخل في النشاط الديني في جنوب السودان ما عدا بعض التصرفات التي كانت تعتبر اجتهادات لبعض شباب الدعوة. الشريعة بريئة من انفصال الجنوب وتقرير المصير يا إخوتي لا يحتاج مني لتأكيد بأنه خيار أهل الشمال لأهل الجنوب بعد أن أعيتهم الحيلة من إيقاف الحرب والأحزاب جميعها وافقت مباشرة أو بطريقة غير مباشرة على حق تقرير المصير وأي إدعاء لحزب بغير ذلك محاولة لتضليل الناس، الكل وافق على تقرير المصير، والكل وافق على اتفاقيات نيفاشا. بعضهم يريد أن يطفيء الشريعة من الشمال ولن يستطيعوا «إن الله مُتم نوره ولو كره الكافرون» وشريعة العدل فيها أساس الحكم، شريعة تبين حكم القانون يخضع لها الحاكم والمحكوم. وفي كتابه (نقض العهود والمواثيق) أشار مولانا أبيل ألير إلى أن الاستقلال تحقق بسبب تزوير إرادة المشاركين في مؤتمر جوبا عام 1948م الذين كانت رغبتهم في فترة خطوبة بين الشمال والجنوب ثم يكتمل الزواج، ولكن الشماليين كما ذكر مولانا استطاعوا إبرام عقد زواج قسري مع الجنوب رغم الأصوات المعارضة، وهكذا كان استقلال السودان الموحد عام 1956م وقد ظل الإخوة في الجنوب يحافظون في كل اتفاقية أبرمت على حدود جنوب السودان في العام 1956م مما يؤكد انعقاد النية على الانفصال وإن طال الزمان. كل كتابات الإخوة الجنوبيين أكدت على اضطهاد الإنسان الجنوبي وحقه في تقرير مصيره، ومن العلامات البارزة في تاريخ السودان اعتراف سودان مايو بأن هنالك مشكلة تستوجب الحل وكان بيان 3 مارس الذي غنت له مايو وكان مقدمة لاتفاقية أديس أبابا والتي تحمل بذور الانفصال في جوفها حيث جعلت للجنوب لغة ليست لغة أهل الجنوب، ونظام حكم برلماني وخفضت من صلاحيات رئيس الجمهورية في الجنوب، وجعلت تعديلها ألا يتم إلا بموافقة ثلثي المواطنين الجنوبيين في استفتاء ولكن الرئيس نميري تجاوزها بأمر مؤقت بحيث أخل بالاتفاقية ودستور 73 الذي كان يحكم فترة الرئيس نميري وبإلغاء اتفاقية أديس أبابا 1983م برزت الحرب في الجنوب وملابسات قرار النميري يذكرها الإخوة من الجنوب الذين اختلفوا في تقسيم الجنوب إلى ولايات أم يظل هو موحداً. ونقول ربنا أقم بيننا حكمك ولا تكلنا لأنفسنا طرفة عين، نحن يا سادتي ويا سيدي عبد الرحمن شلقم مع الشريعة ومع وحدة الشمال والجنوب ومع الوحدة العربية، نحن أمة واحدة وربنا واحد إلا أذا أراد لنا الأخ شلقم وبعض العروبيين أن نعبد أرباباً متفرقين باسم النضال والكفاح، نحن نؤمن بالله وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً نبياً، قبل بنا العرب أم رفضوا، أحبنا الغرب أم فرض علينا الحصار، وقد حوصر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهله في صدر الدعوة، ونحن صدورنا رحبة ولكننا ندافع عن الشريعة بأرواحنا وبالغالي والنفيس.