تكرم الصديق والزميل القديم الأستاذ السر سيد أحمد وبعث الينا مشكوراً- البيان التأسيسي ل(شبكة الإعلام من أجل السلام) التي انبثقت على هامش (مؤتمر فيينا الثالث) الذي انعقد بأديس أبابا في يومي 17 و 18 ديسمبر الحالي، في إطار ما يعرف بالمبادرة النمساوية التي تبنتها عدد من مراكز الدراسات السودانية هي مركز دراسات المستقبل، ومركز منصور خالد الثقافي، ومنظمة جسور العالمية، المبادرة لانشاء (الشبكة) جاءت من قبل عدد من رؤساء تحرير وصحافيين سودانيين دعاهم المؤتمر لحضور منتداه، الذي عقده في العاصمة الأثيوبية، والذي استهدف العمل على تأسيس علاقة إيجابية وبناءة بين شمال السودان وجنوبه أثناء وبعد الاستفتاء على تقرير المصير، الذي تشير كل التوقعات إلى أنه سيقود إلى إنفصال الجنوب وقيام دولة مستقلة هناك، يأمل المشاركون في المؤتمر والعاملون في إطاره إلى جعلها علاقة سلام وتعاون من خلال ما أسموه (الإعتماد المتبادل) أو ال INTERDEPENDANC Eوهو التعبير الذي فضلنا عليه في (إضاءة) سابقة بعد ختام المنتدى (الورشة) تعبير (التفاعل الحر) أو ال FREE- INTERACTION ذلك لأن (الاعتماد المتبادل) تعبير عرفه العالم في قضايا الاقتصاد والتنمية بين مختلف الدول والأقاليم الدولية البعيدة والقريبة، بينما (التفاعل الحر) الذي نتحدث عنه أكثر تعبيراً عن المرغوب في حالة وطن كبلدنا سينقسم إلى دولتين، يكون المطلوب فيه هو تعزيز علاقة التواصل بين أبناء شعبه- جنوباً وشمالاً- بلا حواجز أو حدود مانعة، ويتشارك الموارد ويتبادلون المنافع ويتمتعون بحقوق المواطنة في أي دولة من الدولتين اختاروا أن يعيشوا دون حجر أو تمييز. وجاء البيان التأسيسي لشبكة الإعلام من أجل السلام، ليؤكد على معظم هذه المعاني من خلال استشعار من صاغوه بأن أفضل وسيلة لخدمة مصالح الجنوب والشمال تتمثل في ترقية (مفهوم الترابط والمصالح المشتركة من أجل سلام مستدام)، ومن خلال انتباههم لدور الإعلام في(خفض معدلات بؤر التوتر أو الدفع باتجاه التصعيد)، وركز البيان ذو النقاط التسع على شمولية(الشبكة)بحيث تضم مختلف المؤسسات الإعلامية والصحافيين العاملين وبحيث تتولى مسؤولية الترويج ل(خيار السلام المستدام)، وبذل كل جهد ممكن لبناء وتشكيل رأي عام قوي في الشمال والجنوب لأجل ذلك الهدف.. ولم تستثن (الشبكة) في جهودها المرجوة المؤسسات الإعلامية الحكومية، شمالاً أو جنوباً، باعتبارها الأكثر تأثيراً على الرأي العام إلا أن جهود الشبكة وبرغم السياسات الرسمية الداعية للسلام في المؤسسات الإعلامية الحكومية في الشمال والجنوب ربما ستصطدم على الأرجح أو تواجه على الأقل- صعوبة فيما دعت له في البند السابع من ذلك البيان التأسيسي الذي يقول: تسعى الشبكة إلى إيجاد آلية إعلامية للتعامل مع تصريحات المسؤولين السياسيين التي (تسهم في زيادة مناخات التوتر ودق طبول الحرب، وتسميم السلام الاجتماعي) وإذا عرف (السبب بطل العجب) كما يقولون، ففى أغلب الأحيان تصدر مثل هذه التصريحات من مسؤولين نافذين في أحزابهم، ولن يكون بمقدور مؤسسات الإعلام الحكومية مقاومة أو تفادي نشر أو إذاعة ما يصدر عنهم بحكم ما يملكون من سلطة الأمر والنهي في تلك المؤسسات، وتتعدى مثل هذه السلطة أحياناً المؤسسات الرسمية إلى المؤسسات ذات الملكية الخاصة عبر وسائل متعددة ومتنوعة للتأثير على قرارات التحرير والنشر فيها كما نعرف جميعاً.. وهذا ما يقود بالتداعي إلى طرح حرية الصحافة و التعبير كمتلازمة ضرورية لنجاح جهود (الشبكة). أما الملاحظة الأساسية التي يجب أن لا تفوتنا، هي أن البيان التأسيسي قد صدر عن مجموعة من الصحافيين الشماليين لم يكن بينهم سوى إعلامي جنوبي واحد هو مدير قناة (يبوني)، ولا أدري إن كانت الدعوة وجهت لصحافيين وإعلاميين جنوبيين آخرين ولم يلبوها، أم أن منظمي الورشة تجاهلوا دعوتهم، وفي كل الأحوال فإن إشراك المؤسسات الإعلامية والصحفية الجنوبية الرسمية والخاصة يجب أن يكون شاغل العاملين على تأسيس الشبكة حتى تتحرك على قدمين من أجل انجاز مشروعها الخيِّر الذي ابتدرته. ومع ذلك تبقى المبادرة إلى تأسيس (الشبكة) العاملة من أجل السلام المستدام بمثابة ومضة وسط هذا الظلام الدامس المخيم على الأجواء، ويبقى دعمها وتأكيد المبادئ التي أنطلقت منها واجباً ملحاً، وسيمثل التوقيع على (ميثاق شرف) لضمان تنفيذ السياسات الإعلامية المتفق عليها بكل مسؤولية، غض النظر عن نتيجة الاستفتاء جهداً مشكوراً ودوراً مقدراً من قبل (قبيلة الإعلام والصحافة) يخفف - ولو قليلاً- من غلواء الصراع والتناحر بين (القبائل السياسية) المقتتلة على جثة الوطن المنشطر أو الذبيح.