هاتفني الأحباب من شتى بقاع العالم في فترات متقاربة(صباح يوم الجمعة الماضية) يسألون ماذا جرى عندكم هل تغيرت الشريعة الإسلامية أم ماذا، ولم تجدوا ما تشوهون به سمعة هذا البلد غير ضرب البنات. كان ردي لا والله إن الله أنزل الذكر وإنه له لحافظ قال الله تعالى:(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فقلت الجهل والحقد والحرب وعدم التدريب ونقص الكفاءة، هي التي فعلت هذا. كان ردي عليهم بعد أن تصفحت اليوتيوب وتحديداً المنبر العام، ووجدت أن هناك تجميعاً كاملاً لجميع التهم والمحاكمات الخاصة بالفتيات السودانيات، ووجدت أبطال هذه الفيديوهات هم شرطة النظام العام وشرطة المحاكم، ووجدتهم فعلاً قد تخطو كل الخطوط بمختلف ألوانها، وأكثر ما يؤلمني هو جهلهم بأن أي فعل ارتكب في أي بقعة من بقاع العالم يجب على مرتكبه أن يعلم أن الله يراه وسمعه وهو مطلع على أحواله، يجب عليه أن يعلم أن هذا الفعل ولو كان في جنح الظلام فإن العالم أصبح يراه صوتاً وصورة، إلا إذا كان يستمتع بهذه المناظر المخزية، حتى يعلم من في سذاجة أبو الدرداق أنهم لم ينالوا شيئاً ولو اجتمعوا، وأيضاً عليهم أن يعلموا أن اختيار الألفاظ السلسة والمستذاقة واختيار العناوين الجذابة مثلما تصفحنا جميعاً في ذلك الموقع أن مثل هذه الفيديوهات لا تهش النحل من أزهار هذا البلد، وللبلد رجال حريصون كل الحرص عليه، فما تم ما هو إلا مرض وداء مستشرٍ منذ بعيد وبدأ فعلاً ينخر في عظام هذا البلد، والآن قد ظهرت أعراضه وعلاماته وكذلك وسائل انتشاره، فعلاجه ليس بالصعب أو المستحيل وحتى لا استرسل أكثر يجب علي الاحتكام والالتزام بالموضوعية والموضوع الأساسي الذي أطار النعاس من جفوني هو جلد وضرب الفتاة التي.. وبغض النظر عن التهمة التي وجهت لها سواء تعلقت بالزي الفاضح أو المادة 152 جنائي، فإن ذلك يترك أمره لسلطة القاضي التقديرية، ما شاهدته من شرطة المحاكم لم اتوقعه ولم أشاهده أنا محامٍ منذ عام 85.رأيت فتاة تجلد وتضرب ويبدو أن هذا الجلد في فناء (حوش) المحكمة لأن هذه الفتاة قد ارتطمت بعربة الشرطة ال(صغيرة بيضاء)، والأمر أصبح في نظري لا يخرج عن احتمالين إما أن تكون شرطة المحاكم لم تدرب أفرادها، وإما أن تكون هناك مؤامرة تحاك ضد الإسلام لها أجندة خفية تظهر في صور مختلفة كما في حالة تصرفات المتطرفين، حيث ينسب الإرهاب للإسلام دين التسامح( الدين الذي أنزل لخير أمة)، وكذلك كما في العديد من التصرفات من ضمنها ما نحن نعايشه الآن يجعلنا نجهر بالقول وننادي(إما أن ترفع الحدود ويتحمل الكل وزر ذلك، وإما أن تطبق ويشرف عليها علماء (تدريباً وتطبيقاً)؛ لأن ابتعاد القوانين عن الدين يكثر الإجرام، وذلك لأن المجرم إن فلت من العقاب ازداد ضراوة وإن عوقب بالسجن أمداً طويلاً أو قصيراً فإنه يخرج منه وقد اشتد إيذاءً واستباحة لأموال الناس وكرامتهم ودمائهم، لأنه في السجن تنهار أدميته فينهار معها ضميره إذن لا دين يردع ولا خُلق يمنع ولا يقرب ولا ضمير يهذب، ولو طبقت الحدود بالصورة الصحيحة لطالب العالم كله بتطبيقها عليه، والقارئ يجب ألا يستغرب لهذا القول فقد خرجت مجموعة من النساء المتزوجات (مدنياً) بمدينة لندن يطالبن بتطبيق الأحوال الشخصية عليهم، والسؤال الثاني الذي يطرح نفسه بغض النظر عن الجرم الذي ارتكبته هذه الفتاة التي أرقت مضجعي ورب الكعبة، فالسؤال أي دين أو شرع أحل الزنا؟ عموماً حتى يعلم من يطمع في النيل من الشريعة يجب أن أتحدث بشيء من التفصيل مسترشداً بما رأيته في الفيديو من جلد وضرب كما في العنوان(جلد وضرب فتاة سودانية)، هناك بدع أبتدعها رجل الشرطة الآخر إن حاول مساعدة زميله عندما أمسكت الفتاة السوط بكلتا يديها وأطلقت العنان لصوتها مستغيثة بأمها، أي رأت رجوعها لرحم أمها خير لها من وضعها هذا، والذي تدخل بالضرب وليس الجلد أي أنه أنجز المهمة، وبالتالي يجب أن يحاسب عليها إدارياً، وفي نفس الوقت يجب ألاَّ يفلت من المحاسبة، وخاصة أن هذا الضرب جاء تطوعاً منه، وليس أمراً من القاضي أو ضابط مسؤول كما يبدو(وربنا حرم القتل إلا بالحق)، وهذا الحق هو للقاضي، والأخير يترك أمر تنفيذه لمن يشاء، وبالطبع فإن الأمر قد صدر للشرطي الأول هذا هو السلوك الطبيعي، وإذا كان قد أعطى الشرطي الثاني حق التدخل يكون قد إختلف الأمر تماماً، أما موضع الجلد وفي نفس الوقت مكان التنفيذ وجلوس المدانة وانتهاكه هو الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه، والله العظيم والله العظيم لولا أن هذه الفتاة كانت تلبس البنطلون لرأى العالم ما لا يجوز له رؤيته، ولأصبحنا مطأطئي الرؤوس، هذا البنطلون هو الوحيد الذي وارى سوءة هذه الفتاة عندما سقطت على ظهرها وهي مغمى عليها فاردة ساقيها. أيها القارئ الكريم إن الرحمة الخاصة فوق العدالة والرحمة الخاصة التي أقصدها هي الإحساس بضعف الضعيف، وألم المتألم وهي ضرورية لكل حاكم عادل رحيم بالناس، ويقول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به ). بالطبع لا يمكن أن يكون الرفق ودفع المشقة إلا من قلب رجل عُمر رحمة ورفقاً وشفقة، ولا من قلوب كالحجارة وأكثر قسوة، وأنا أتخطى الشرطة إلى الحضور (الجمع) الذين يسمون أنفسهم طائفة من المؤمنين كما قال أحدهم: (يا أخوانا زحوا لي شوية خلينا نشوف) ثم قال: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) والله إن هذا لا يريد أن يشهد العذاب لأن عذاب هذه الفتاة واضح صوت صورة، ولكن له مآرب أخرى والله من وراء القصد. أسأل كل الجمهور هل استمتعتم بهذا العذاب المقزز هل أنتم أخوان مهيرة؟ هل أنتم سودانيون على علاتكم؟ أين أخوان عزة أين أخلاقكم أين غيرتكم على هذا البلد؟ أين مكارمكم التي تتغنون بها؟ والله لو رأى هذا المشهد سوداني بالجد لأصبح الوضع مختلفاً جداً، وكان الأحرى بكم أن تحتجوا وتولوا الأدبار طالما دماؤكم في عروقكم خوفاً من سوط العنج فتكونوا قد قمتم بأضعف الإيمان (من رأى منكم منكراً فليغيره).. أيضاً أنا سعيد جداً لما قرأته بأن وزارة الداخلية تشكل لجنة للتقصي بشأن مشاهد جلد الفتاة، وأيضاً سعيد بأن هذه اللجنة قد تم توجيهها بشكل صارم، ووجدت ضالتي حينما قرأت الوعد بالكشف عن جميع التفاصيل في الوقت المناسب.. وفي الختام أقول للزميل المحترم المخضرم الأستاذ نبيل أديب أتفق معك في كل ما ذكرته (على أن الضرب بالغ القسوة والشدة وفي أماكن خطرة مثل الرأس)، واختلف معك اختلاف الليل والنهار في كل ما ذكرته، خاصة وأنك رجل قانوني ضليع ومخضرم، ولا أشك أبداً في أنك مستوعب كل القوانين المتعلقة بالشريعة وخلافها، وبالطبع لا يفوت عليك أن أي مادة مخالفة للشرع تعتبر باطلة، وبالتالي لا يجوز لك أو لغيرك من الزملاء أن يطرحوا مثل هذا القول وبالصحف (كمان) فيا زميلي مثل هذا القول، كان يجب عليك أن تطعن في كل مواد القانون التي ترى أنها تم الصاقها بالشريعة، وأنت تعلم كيف تسلخ النملة بدلاً من الانتظار حتى تنفيذها بالصورة البشعة التي نراها اليوم، ولو فعلت هذا لجنبت البلد والعباد من وهدة هذه الفتن، فيا زميلي العزيز أننا في الإسلام لنا حدود ومحارم فإذا خالفها المسلم يعزر حسب المخالفة وإذا أنكرها وأنكر وجودها أو أنكر تحريمها فهذا واجب علينا قتاله حتى يرجع، ولنا في سيدنا أبوبكر الصديق أسوة حسنة حينما قال:(والله لو منعوني عقال بعير كانوا يعطونه لرسول الله لقاتلتهم فيه)، ومن هذا المنطق أننا في هذا البلد كمسلمين ارتضينا الشريعة الإسلامية حكماً ومنهاجاً، وسنعض عليها بالنواجذ ولن نتخطاها قيد أنملة، ولعلك يا زميلي تعلم تماماً أن اتفاقية نيفاشا نفسها قد حسمت هذا الأمر تماماً، ولعلك تعلم علم اليقين أن الشريعة خط أحمر من يتخطاها ومن ينكرها يقاتل حتى يرجع، ولعلي قد ذكرت في مقدمة هذ المقال أن الذي جلب كل هذه الكوارث هو الجهل بمقاصد الشريعة السمحاء وعدم التطبيق السليم للقواعد الإجرائية والتطبيقية للقانون، وخروج جيش المسلمين من سمرقند لهو مثال على ذلك، والشريعة مستهدفة ولها أعداء منذ أكثر من الف واربعمائة وستة وثلاثين عاماً تقريباً، والذي أنزلها على رسوله سيحفظها، وللبيت رب يحميه، وأقولها إن الشريعة بحمد الله خالية من كل عيب ومبرأة تماماً ولكن العيب فينا (فهماً ودراية ومعرفة بمقاصدها وكيفية تطبيقها، وعلى من تطبق وكيف تطبق ومتى) وأنا أرفع صوتي عالياً وأجهر قولي فلتذهب الدولة ولتذهب أياديها وليذهب كل طامع للنيل من هذه الشريعة السمحاء، ولتبقى الشريعة لنا نهجاً منهاجاً.. ونرفع الأكف لمقلب القلوب والأبصار أن يثبت قلوبنا على الإيمان آمين. والله من وراء القصد ü محامي