زيارة السيد المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية لمدينة جوبا صبيحة الثلاثاء استرعت انتباه كل وسائل الإعلام المحلي والإقليمي والدولي، لما لها من أهمية قصوى استحقت معه لقب الزيارة التاريخية لعاصمة جنوب السودان.. ولاخلاف على أن حكومة جنوب السودان قد أحسنت استقبال السيد الرئيس.. هاتفني أحد قيادات الحركة الشعبية من جوبا.. وكنت أتابع معه فعاليات الزيارة لحظة بلحظة.. وكان قد حدثني عن آخر اجتماع ليلي للاطمئنان على ترتيبات الزيارة، فقال لي إنها استعدادات غير مسبوقة وإن الزيارة مرحب بها، بل ومطلوبة لضمان استمرار عملية الاستفتاء وقيامه في موعده المقرر.. ولتجاوز المخاوف من أي إخلال يضر بسير جدول التنفيذ.. ولتأكيد التعاون الوثيق واستمرار الجانبين في الدعم المتبادل لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين.. فقلت له «خلاص بقينا شعبين؟»، فرد قائلاً بمجرد أن يكون حق تقرير المصير يخص شعب جنوب السودان فهذا يعني أننا شعبين «قالها بنبرة حزن واضحة»، فقلت له إن الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية قال كلاماً قبيحاً في قناة الجزيرة عن زيارة السيد الرئيس لجوبا حتى رده المذيع إلى اختلاف أقواله مع ما تنادي به قيادات الحركة التي أعلنت ترحيبها بالزيارة ودعت المواطنين للترحيب بالسيد الرئيس، فتلجلج في تعقيبه وقال على مضض نحن نرحب بأي زول!!.. وواصل صديقي هارون بعد أن شهد الزيارة واستمع إلى خطاب الرئيس في جوبا.. إنت ليه ما جيت مع السيد الرئيس، أنا توقعت حضورك؟! ووصف الزيارة بالنجاح وقال إن السيد الرئيس قد بث تطمينات كبيرة ولَّدت ارتياحاً عامَّاً وحققت أعلى درجات الثقة في نفوس المسؤولين والمواطنين على السواء، ووصف السيد الرئيس بالشجاعة الفائقة والوضوح وتحمل المسؤولية والوفاء بالعهود.. والالتزام باتفاقية السلام الشامل.. وقال إن حديث السيد الرئيس يشكل خارطة طريق لحل جميع المشاكل العالقة في الفترة التي ستعقب الاستفتاء.. وقال أخي ناسكم ديل خليهم يختوا في بطنهم بطيخة صيفي «شَكْلَة تاني مافي».. وقال الزيارة دي تجلَّت فيها عبقرية الزمان والمكان والكلام.. وودعته وقبلت دعوته لتناول طعام الغداء معاً يوم الجمعة القادم بإذن الله بأم درمان.. وحمدت الله على سلامة السيد الرئيس ووفده.. والمؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. وفي كل خير. ونحن الآن على أعتاب مرحلة جديدة قامت قناة الجزيرة الفضائية بأداء خدمة إعلامية على أرقى مستوى من المهنية والمسؤولية.. وحققت ما عجزت عنه أجهزة إعلامنا الرسمي مجتمعة.. ودفعت بثلة مقدرة من كواكبها من مذيعين ومراسلين وفنيين.. وخصصت نشرة أخبار كاملة في أعلى ساعات المشاهدة عن المشهد السوداني.. ووظفت العديد من برامجها الحوارية الراتبة لخدمة قضية الساعة في السودان، وبالتالي خدمة مشاهديها والوفاء لشعارها «الرأي والرأي الآخر».. بلا حول مِنَّا ولا قوة ولا صرف دولار واحد من خزائننا التي تنفق على إعلامنا قدر طاقتها مع تواضع مردوده، مقارنة بقناة مثل قناة الجزيرة بأفقها المفتوح وخيالها الخصب وجرأتها الفائقة ومهنيتها العالية.. وقد «شرشحت» الأستاذة غادة عويس «ردود» السيد الصادق المهدي على أسئلتها حتى أثارت غضبه وغيظه المكتوم من هذه «البنت المفعوصة» وهي تفند حججه وأسانيده بما لها من حضور وشطارة وشجاعة.. وهوعين ما اعتمد عليه الأستاذ النابه الشاب علي الظفيري في برنامجه «في العمق»، والذي استضاف فيه د. حسن الترابي والذي لم يتمكن مع قدراته الفذة في الالتفاف حول الموضوع المطروح.. وخبرته وحنكته ودربته التي لا تبارى ولا تجارى.. لم يتمكن د. الترابي من الإفلات من مصيدة الظفيري التي نصبها له «في العمق»، فرد الترابي «باستسلام» على ملاحظة الظفيري وتعليقه على دور د. الترابي في قيام ثورة الإنقاذ.. عندما قال له «وانقلب السحر على الساحر» فردَّ الترابي بهدوء «نعم».. وكنت قد علَّقت هذا التعليق عقب المفاصلة الرمضانية فنهاني صديقي أبوالقاسم حسن صديق عن نشر هذا الكلام «وانقلب السحر على الساحر»، ولست أدري سبباً للاستجابة لأبي القاسم غير التوهم بأن مياهنا ستعود حتماً لمجاريها.. وأن المفاصلة ما هي إلا مسرحية محبوكة جيدة الإخراج.. فبعض إخواننا كانوا يعيشون هذا الوهم، مثلهم في ذلك مثل أنصار الإمام الهادي طيب الله ثراه الذين ظلوا حتى عهد قريب يقولون بهجرته ولا يقبلون بوفاته.. مثلما قال د.منصور خالد عقب مقتل قرنق وإن لم يعش في هذا «الوهم» طويلاً.. وإن كانت ثمة ملاحظة على تغطية الجزيرة فهي اختيارها المستمر لأكثر المواقع بؤساً وقبحاً لتصوير تقاريرها.. وعدم الالتفات البتة لأي جانب إيجابي في كل السودان بطوله وعرضه شمالاً أو جنوباً!! وليس ذلك من الإنصاف لبلادنا وشعبنا ولعين الكاميرا التي لا تكذب.. نظرة يا ود الشيخ يا المسلمي البلد بلدك. وإن عشنا لغدٍ فسأكتب إن شاء الله.. عن ضرورة إعادة هيكلة الوزارات وتكوين حكومة رشيقة القوام.. محددة المهام.. متجانسة على الدوام.. يتبوأ مقاعدها أهل الخبرة بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والجهوية.. تستوعب أكبر قاعدة من الأحزاب الكبيرة.. وتكف عن الترضيات والتوازنات التي كادت أن توردنا موارد التهلكة وتوفر على الخزينة العامة أموالاً مقدرة لتوظيفها في توفير الخدمات الأساسية لقمة عيش شريفة وجرعة ماء نظيفة وعلاج وتعليم وصحة عامة.. ترد بها بعض أفضال هذا الشعب النبيل وصبره على المكاره في الحرب والسلم.. ونحن موعودون بحكومة القاعدة العريضة.. والتحية لقائدنا البطل الهمام المقدام المشير البشير ولصانع السلام الأستاذ علي عثمان ولجيشنا وشبابنا من فتاشة إلى نيفاشا. وهذا هو المفروض..