غداً الأحد التاسع من يناير 2011م سيكون أحد أيامنا التاريخية، لأنه سيشهد اتجاه أشقائنا الجنوبيين نحو صناديق الاستفتاء للإدلاء بأصواتهم حول القضية التي ظلت تحصد الأرواح وتهلك الثروات وتقضي على الأخضر واليابس في بلادنا منذ العام 1955م، وهي قضية تقرير مصير جنوب السودان. تقرير المصير ناقشه مؤتمر جوبا عام 1947م، ونجح السيد محمد صالح الشنقيطي في استمالة الجنوبيين نحو الوحدة بتأثيره المباشرة على القيادي والسياسي الجنوبي المعروف السيد كلمنت أمبورو، وقد جاء اختيار الجنوبيين للاستمرار مع الشمال تحت مظلة السودان الواحد صدمة للسلطة البريطانية المستعمرة آنذاك، لكن قرار السيد كلمنت أمبورو كان قراراً عاطفياً وفردياً لا يعبر عن أمنيات وتطلعات كل شعب الجنوب الذي كان وقتها يعاني- حقيقة- من الجهل والتخلف والمرض.. ولم تنشغل القيادات الجنوبية المحلية برفع قدرات المواطن الجنوبي ولا بتبصيره بحقوقه وواجباته، وظل يعاني طوال تلك السنوات مع تقدم ضعيف وبطيء في مجالات التعليم والصحة والخدمات العامة.. مع تدهور سريع يهدم كل الذي تم بسبب الحروب والموت والدمار والتشريد، ولم يجد المواطن الجنوبي بداً من الفرار من جحيم ونيران الحرب، فاتجه نحو الشمال لكنه واجه الاختلافات والفوارق في المكون الثقافي والعرقي والديني، فظل يكبت الأحزان والمرارات، ويتطلع إلى يوم يتحرر فيه من كل هذه المعاناة إلى أن لاحت بارقة أمل كبيرة من خلال التوقيع على اتفاقية السلام الشامل في العام 2005م ويتم من خلالها وفي نهايتها تحديداً، تخيير المواطن الجنوبي بين استمرار الوحدة مع الشمال أو الانفصال لتأسيس دولة جديدة. الذي لا نشك فيه أن المواطن الجنوبي وقبله القيادة السياسية التي عبأته تعبئة سلبية في جانب الوحدة، سيتجه إلى صناديق الاقتراع ويساند بصوته الانفصال الذي يسميه البعض الاستقلال.. لا نشك في ذلك.. لكن الانفصال لا يعني أن الأرض ستنشق ويكون هناك فاصل بين شطري الوطن.. فالشماليون يعرفون مثلما يعرف الجنوبيون أن التداخل مستمر.. وأن حركة نقل المواطنين والسلع والخدمات لن تتوقف.. نحن مع خيار المواطن الجنوبي، لكننا في ذات الوقت نطالب القيادة في الشمال والجنوب أن تعمل على التواصل غير المنقطع بين الشطرين.. وحراسة ذلك بالأمن والوعي، لنجعل من الحدود المشتركة حدوداً لا نقول مفتوحة، بل حدوداً مرنة ومطاطة تقيدها الحدود والروابط الاجتماعية والطبيعية.. لا الحدود السياسية.