الاستقلال صناعة الشعب.. ولكن كيف يصنع الشعب الاستقلال، يصنعه بتنظيماته عن طريق قياداته التي ارتضاها والتي بادرت هي فرتبت صفوفه، وجمعت شتاته، وأيقظت نيامه، وقادت هؤلاء جميعاً نحو الهدف المنشود.. وضحت هذه القيادات في سبيل ذلك بالمال والبنين ورغد العيش، وقدمت حريتها وحياتها وآمالها وتطلعاتها الذاتية طائعة مختارة في سبيل هدف اسمى هو حرية الأوطان وكرامة الإنسان وتحرير تراب الوطن وإرادته من ربقة المستعمر الأجنبي ومن طغيان العدو الجهم الدخيل: وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق وصناع الاستقلال في بلادنا كانوا ومنذ يومهم الأول بقيادة الحركة الاستقلالية والجبهة الاستقلالية التي قادها الإمام عبد الرحمن المهدي في سبيل استقلال السودان بشعاره المشهور(لا شيع ولا طوائف ولا أحزاب.. ديننا الإسلام وطننا السودان) وانضوت تحت هذا الشعار كل أحزاب الحركة الاستقلالية مكونة جبهة عريضة تطالب بهذا المطلب الغالي.. استقلال السودان من ربقة الحكم الثنائي بقيادة حزب الأمة الذي رأسه السيد الصديق المهدي، وتولي قيادته أمينه العام الأميرالاي عبد الله بك خليل.. ومعه رعيل ضخم من الرجال الأشاوس الذين آمنوا بقضية الاستقلال، وهذا بطبيعة الحال إلى جانب منظومة الأحزاب التي تحلقت حول فكرة الاستقلال كالحزب الجمهوري، والحزب الجمهوري الاشتراكي، وحزب الاستقلال، وغيرهم من التنظيمات، وقاد حزب الأمة وهذه الجبهة الكفاح والنضال حول هذا الهدف الغالي.. داخل وخارج السودان عبر المؤتمرات والمنظمات الداخلية والدولية والاقليمية، إلى أن التقت إرادة جناحي الأمة والحركة الاستقلالية، والحركة الاتحادية من داخل البرلمان، فأعلنا الاستقلال بالاجماع في صبيحة يوم 19 ديسمبر 1955م، ثم كان الإعلان الرسمي ورفع العلم والاحتفال في غرة يناير 1956م.. وإنني لأتساءل كم منا يذكر دور الإمام عبد الرحمن والحركة الاستقلالية... وهلا احتفلت البلاد بذكرى هذا الرجل العظيم في كل عام كما يجب، علينا أن نضع أبي الصديق عبد الرحمن المهدي في سويداء قلوبنا..