تنطلق اليوم الأحد عملية الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان، حيث سيحدد السودانيون الجنوبيون عبر صناديق الاقتراع في هذا الاستفتاء الحاسم، وضعهم بالنسبة لشمال السودان، فإما يصوتون للانفصال أو الوحدة. وحسب كل الجهات المسؤولة، فإن الترتيبات قد بلغت ذروتها وقد اكتملت الجاهزية لإدارة وتأمين عملية الاستفتاء، فقد أكدت الجهات المسؤولة على المستوى الاتحادي أو على مستوى حكومة الجنوب، الجهازية الكاملة على المستوى الأمني والفني. ومن المعروف أن حق تقرير المصير بالنسبة للجنوبيين نصت عليه اتفاقية السلام الشامل التي وقعت بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني في ضاحية نيفاشا الكينية بعد مسيرة مفاوضات استمرت لعدد من السنوات وتنقلت بين عدد من العواصم الأفريقية، وتوجت هذه المسيرة باتفاق وقع في العام 2005م بين الطرفين. ونشأ وفقاً لهذه الاتفاقية قانون عرف بقانون استفتاء جنوب السودان الذي أجازه البرلمان «المجلس الوطني»، في 29 ديسمبر 2009م، وينص على آليات تحدد ما إذا كان الجنوب سيستمر ضمن السودان الموحد أم يختار الجنوبيون الانفصال عن الشمال. وقد قررت نصوص اتفاقية نيفاشا أن يجرى الاستفتاء قبل ستة أشهر من نهاية الفترة الانتقالية المقررة في اتفاق السلام الشامل التي تنتهي في يناير 2011م، ويصوت مواطنو جنوب السودان عند ممارستهم حق تقرير المصير من خلال الاستفتاء بالتصويت إما للتأكيد على وحدة السودان وبالتالي هذا يعني استدامة نظام الحكم الذي أرسته اتفاقية السلام الشامل ودستور السودان، أو يختار مواطنو الجنوب الانفصال. وقد تقرر أن تنظم عملية استفتاء جنوب السودان مفوضية أنشئت خصيصاً لهذا الغرض، وقد شهد تكوين هذه المفوضية سجالاً سياسياً بين طرفي الاتفاقية بشأن اختيار رئيسها وأمينها العام وأعضائها، وتقرر كذلك أن تتعاون الحكومة الاتحادية وحكومة جنوب السودان مع المفوضية في تنظيم الاستفتاء بمراقبة دولية. ومعلوم أن مفوضية الاستفتاء أنشأتها رئاسة الجمهورية، وأن لها شخصيتها الاعتبارية وخاتم عام والحق في التقاضي باسمها ومقرها الخرطوم، ولها مكتب بجوبا. وقد أعطيّ الحق في التصويت للمواطن الجنوبي شريطة أن يكون مولوداً من أبوين ينتمي كلاهما أو أحدهما إلى أي من المجموعات الأهلية المستوطنة في جنوب السودان في أو قبل الأول من يناير 1956م، أو تعود أصوله إلى أحد الأصول العرقية في جنوب السودان، أو يكون مقيماً إقامة دائمة متواصلة دون انقطاع أو أي من الأبوين أو الجدين مقيم إقامة دائمة ومتواصلة دون انقطاع في جنوب السودان منذ الأول من يناير 1956م. وقد أقر قانون الاستفتاء بإمكانية إدلاء الجنوبيين بأصواتهم دون تقييدهم بمكان محدد، إذ إنه كان هناك بند تم إسقاطه وقد طالبت به الحركة الشعبية وهو يفرض على الجنوبيين الذين غادروا مناطق إقامتهم الأصلية قبل استقلال السودان في عام 1956م، أن يدلوا بأصواتهم في الجنوب وليس في أماكن إقامتهم الحالية، ويعتبر الاستفتاء قانونياً إذا اقترع ما لا يقل عن 58% من عدد الناخبين، حيث إنه من المفترض أن يصوت 4 ملايين هم جملة الذين سجلوا للاقتراع. وقد أكدت السلطات في الجنوب انتهاءها من جميع الاستعدادات من أجل إجراء الاستفتاء. ووفقاً لمفوضية الاستفتاء، فقد وصلت بطاقات التصويت إلى جميع مراكز الاقتراع، حيث طبعت حوالي 7 ملايين بطاقة على الرغم من أن إجمالي من يحق لهم التصويت حوالي 4 ملايين شخص، ويبلغ عدد مراكز الاقتراع في الجنوب أكثر من 2600 مركز، إلى جانب 165 مركزاً في ولايات الشمال التي سيصوت فيها جنوبيون، ومراكز أخرى خارج البلاد. وحسب إحصاءات تقديرية، فإنه يوجد في السودان أكثر من 1200 مراقب أجنبي، إضافة إلى «17» ألف مراقب محلي من داخل السودان لتقييم جوانب عملية الاستفتاء ومدى مطابقة الاستفتاء لمعايير التصويت الديمقراطية، ومن المقرر أن تستمر عملية التصويت أسبوعاً كاملاً، وسيتم الإعلان عن النتائج على مستوى كل مركز ثم على مستوى كل ولاية لتعلن النتيجة النهائية من جانب المفوضية القومية للاستفتاء ومقرها الخرطوم، في الأسبوع الأول من فبراير المقبل. وقد وصلت إلى جوبا وفود من الاتحاد الأوروبي ومركز كارتر للسلام وعدد من الدول الأفريقية التي لها حدود مع جنوب السودان. ووفقاً لكثير من الاستطلاعات التي أجراها عدد من المراكز والبحوث وتوقعات الكثير من المراقبين، فإن تصويت الجنوبيين سيتجه نحو خيار الانفصال، ويعزز ذلك الاحتمال تبني الحركة الشعبية لخيار الانفصال وهي التي تحكم السيطرة على الجنوب، وكذلك العديد من المظاهرات التي كانت تخرج إلى الشارع في الجنوب وهي تطالب بالانفصال، حيث إنها كانت ترفع لافتات وتردد شعارات تدعو إلى الانفصال. ولكن الشارع الشمالي منقسم بين الحرص على الأمنيات ببقاء السودان موحداً، وآخرين باتوا يؤكدون على أن الواقع يسير إلى الانفصال، وأنه لا خيار سوى التعامل معه، بينما وقف آخرون إلى جانب دعوة منبر السلام العادل إلى انفصال الجنوب، ورغم أن الجميع سواء كانت الحركة الشعبية أو المؤتمر الوطني، يتحدثون عن عدم العودة للحرب مهما كانت نتيجة الاستفتاء، فإن نتيجة الاستفتاء تقرير بشأن مسيرة طويلة في تاريخ السودان صاحبتها الكثير من الدماء والدموع والبكاء والعويل بهدف استمرار السودان موحداً، استمرت الحرب فيها أكثر من «20» عاماً، ولكن يبقى ذلك مرهوناً باختيار المواطن الجنوبي وهو الذي يحدد باختياره للباكين على وحدة السودان أن يبكوا دموع الدم إذا اختار الانفصال، أو أن تحدث المعجزة ويتعانق الجنوب والشمال من جديد، وهذا وفقاً لاستطلاعات أجريناها وسط عدد من المواطنين، بات مستحيلاً. وتبقى هناك قضايا معلقة مثل القنابل الموقوتة وعلى رأسها بالطبع مشكلة أبيي وقضية الحدود، وهناك قضايا البترول وكيفية توزيع عائداته، وكذلك هناك قضية الديون المستحقة على السودان. وتبقى الأنظارحالياً متعلقة بصناديق الاقتراع وإن كانت الإجابة على سؤال الاختيار محسومة، ولكن السؤال ثم ماذا بعد تقرير المصير؟