يخطئ من يظن أن قرار فصل الجنوب من شمال السودان هو قرار الحركة الشعبية العائدة من الغابة، وأنها اتخذته لقناعاتها بأن الحكومة لم تجعل الوحدة جاذبة.. فأي تفكير كهذا يدخل في خانة السذاجة والسطحية في زمان مسرحيات المخرجين الكبار، الذين يفضلون الممثلين الكومبارس الذين يحققون أهدافهم ولا يكلفونهم شيئاً ويكونون أكثر طاعة لإشاراتهم.. وهذا ما حدث بالضبط في مسرحية فصل الجنوب التي تصل هذه الأيام آخر فصولها.. ومعلوم أن الممثل الكومبارس لا يأتي بإضافات من عنده ويقوم بالدور كما رسم له، وهكذا فعل ويفعل قادة الحركة الشعبية الذين اختارهم المخرج «الصهيو أمريكي» للقيام بالدور، والذي هو في ظل حرصه على الالتزام الصارم بتعليمات المخرج لا يخرج أبداًمن النص، والنص المرسوم هو انتهاء المسرحية بفصل الجنوب عن الشمال وخروج الجمهور حزيناً وتصفيق المخرج للممثلين الذين حققوا ما خطط لهم... والمخطط كماهو معلوم كان سيتم لو كان الحاكم الإنقاذ أو الأحزاب الطائفية أو غيرها.. فأمريكا وإسرائيل تريدان ذلك لشيء في نفس واشنطن وتل أبيب تجاه السودان والقارة السمراء، والذي تتمكن منه من خلال هذا الانفصال.. ومن هنا فإن الحكومة مهما فعلت للجنوب ومهما تنازلت للحركة الشعبية، فإنه لا شيء يتغير فالكمبارس لا يخرج عن النص لهذا عندما يقول الرئيس البشير (إن الشمال على استعداد للتنازل عن حصته في النفط للجنوب مقابل الوحدة)، فإن القول الذي لا يريده المخرج الصهيو أمريكي لا يجد أُذناً صاغية من قيادات الحركة النافذة التي لا ترى إلا بعين المخرج ولا تسمع إلا بأُذنه، بعد أن غُيبت العقول وجُففت الأفكار لدى الكومبارس الذي انحصر كل تركيزه في أن ينفذ الدور.. وبالتالي فإن أي مقترح بإقامة نظام كونفدرالي كما اقترحت مصر أو استمرار النظام الحالي بالتمتع بالحكم الذاتي الذي كان أشبه بالانفصال في ظل قبضة الحركة الشعبية على الجنوب بكامله، بجانب مشاركتها في حكم السودان كله لا تجد مساحة للتفكير في ظل التركيز على تنفيذ الأدوار المرسومة بدقة، ونلاحظ أن المخطط الصهيو أمريكي قد بدأ تنفيذ فصوله قبل السلام وأن السلام نفسه جزء من المخطط الذي استمرت فصوله بتغييب عقول قيادات الحركة بمواقف فيها الترغيب والترهيب، حتى سيطرت عليهم وجعلتهم جزءاً من أدوات إنجاح المسرحية.. والاهتمام المتصاعد والمستمر بالسودان من أمريكا وإسرائيل، وكيف ضغطت اللوبيات فيها أيام الانتخابات الأخيرة على جون كيري وأوباما ليكون جزءاً من المناظرة بعينها حول الحديث عن سياساتها تجاه السودان الذي تصاعد الاهتمام به من المجموعات اليمينية الأمريكية، ومن مجلس الكنائس العالمي ومراكز معروفة، وقد كشف عن المخطط وزير الأمن الاسرائيلي السابق بأن يقول (إن السودان يمتلك مقومات أن يصبح دولة عربية كبري، وعلينا ألا نجعله يصبح كذلك).. ومع الاهتمام بالأجندة أعفت الإدارة الأمريكيةجنوب السودان من العقوبات المفروضة على السودان وأخذت تدعم الجنوب بعد نيفاشا بمبلغ مليار دولار سنوياً، وتؤهل إسرائيل قوات الحركة وتدخل مجال الاستثمارات بقوة في الجنوب.. ولا يفوت على أي فطن أن ما انفقته واشنطن على الجنوب وراءه مكاسب مضاعفة تسعى لها خاصة بعد تصاعد النفوذ الصيني في أفريقيا اقتصادياً ووجودها الفاعل في السودان في مجال النفط الذي بدأته الشركات الأمريكية في العهد الماضي، ولكنها تباطأت حتى لا يتم استخراجه حينها ليقوي من النظام القائم وقتها فتفاجأت في عهد الحكومة الحالية بالتنين الصيني يدخل ويحل محلها في مجال النفط.. ويأتي الاندفاع الأمريكي كما يرى المراقبون من أهداف أمريكية وإسرائيلية كثيرة.. وهي التي جعلت السودان محل اهتمام واشنطن وتل أبيب ..ومن بينها الصراعات الدولية حول السيطرة على منابع النفط والثروات في أفريقيا، إضافة إلى مساعيها لإضعاف الدول الأفريقية بتشجيع الحركات الانفصالية بأن تحذو حذو الحركة الشعبية بهدف إضعاف الدول وسرقة مواردها والسيطرة عليها ومواجهة التغلغل الصيني والإيراني.. ومن هنا نقول إن ما يجري في الجنوب هو سيناريو أعده وأخرجه.. ليس الحركة الشعبية ولا أهل الجنوب الذين لا حول لهم ولا قوة.. وإنما واشنطن وتل أبيب لأهداف سياسية واقتصادية ودينية... ويُتوقع أن يمتد المخطط لدول أخرى بذات طريقة الجنوب.. اللهم الطف بنا في ظل الفرجة العربية والأفريقية.