وزير المالية يسوى شنو.. هكذا نطقها وزير ماليتنا عندما سئل عن ارتفاع أسعار السلع بلا قرار.. أما بعد إن أعلن هو نفسه زيادة الوقود وأسعار بعض السلع والخدمات والرسوم، وصفق له أعضاء مجلسنا الوطني بكامل هيئاته طويلاً، فاعتقد أنه لا يحتاج إلى إطلاق أي تعبيرات (للمخارجة)، مثلما أنه لا يحتاج إلى البحث في علم البدائل للتخفيف عن وطأة ما يقع على كاهل المواطن. تذكرت كلمة (كاهل المواطنين) هذه وأنا أراجع مع أبنتي أسباب كراهية السودانيين للحكم التركي المصري فيما عرف بكتاب (المعاصر) وهو طبعاً كتاب التاريخ عندنا نحن في السابق.. حيث يقول إن السبب الرئيسي هو الضرائب التي أثقلت كاهل المواطنين.. الآن ليس الضرائب وحدها بعد القرارات الأخيرة هي التي تثقل ذلك الكاهل.. ولإنصاف وزير المالية يمكن أن نتطوع ونقترح عليه (يسوي شنو) لأن هناك من الأفعال ما قد يجنبه الاثقال على كاهل الشعب.. ولإنصاف الرجل أيضاً وقبل اقتراحنا المقتبس مع علم البدائل.. اعتقد أن رفع الدعم فعلاً جاء متأخراً.. واعتقد أن هذا التأخير سببه الرئيس ضعف التخطيط السليم، وضعف التخطيط المستقبلي سببه قناعة تامة للحكومة بكافة جهازها التشريعي والتنفيذي، وإدارتها الاقتصادية والسياسية، وولاة ولاياتها وجيشها الجرار من مستشارين، ومراكز دراسات استراتيجية وجغرافية، وكل من له علاقة بنظام الحكم في البلاد، إنه لا توجد احتمالات 1% من اختيار الجنوب للانفصال، وبالتالي فإن الموارد المعتمد عليها في تسيير دولاب الدولة لن يمسها الاستفتاء. ومصداقاً لهذه القناعة هو حديث السيد وزير المالية نفسة عندما قال إن موازنة العام 2011 بنيت على أساس الوحدة. إذا عملت الحكومة منذ توقيع اتفاقية السلام في العام 2005 على ترجيح الاحتمال الأسوأ، فاتجهت الى تنمية القطاعات الأخرى الزراعة والاستثمار، واتجهت بنفس حماس د. عوض الجاز في العام 99 لاستخراج بترول الشمال بنفس الشركات التي جلبت للاستثمار، واستخراج بترول الجنوب، لكان وزير المالية عرف (يسوي شنو) الآن. ولو كان قبل كل ذلك رفع الدعم عن مشتقات البترول بالداخل لأن ما لا يعلمه عامة الشعب أن السودان كان لا يتعامل بالسعر العالمي للنفط فيما يختص بالمشتقات في الداخل.. وكذلك الدولة كانت تدعم الكهرباء كما ظلت تدعم السكر، لأن عامة الشعب أيضاً لا يدرون الارتفاع المتواصل لأسعار السكر في السوق العالمي.. لكن في المقابل ذهبت العائدات إلى تطوير مشروعاتنا الزراعية، وصدرنا القطن والحبوب والصمغ العربي، والجمال، والأبقار، والضأن.. صدقوني لما كنا الآن سنفتح سرادق العزاء على بترول الجنوب الذي فقدناه وبسببه جعل الأخوة في الجنوب يقيمون الأفراح والليالي الملاح على شوارع كل شبر من أرض الجنوب، وليس دفاعاً عن الحكومة التي اتخذت قرارات صعبة في وقت صعب، فإن اللاعب الرئيس في ارتفاع الأسعار ليس خروج البترول عن حدود الشمال الجغرافية فقط، ولكن يوجد عامل مهم جداً وهو الارتفاع الجنوني لأسعار الحبوب والسكر والبترول عالميا..ً فالجزائر التي تشهد مظاهرات عنيفة راح ضحيتها أكثر من ثلاثة أشخاص بسبب ارتفاع الأسعار تصل عائدات نفطها 600 مليار دولار سنوياً.. أما تونس وغيرها من دول الاحتجاج على الإثقال على كاهل المواطن فهي ليست بأحسن منا حالاً.. من واقع الحال وما نعانيه من شح في ايرادات الدولة يرجح بالمزيد من ربط الأحزمة، وهو ما يتطلب المزيد من إجراءات الترشيد في الصرف الحكومي.. صدقوني كل العائدات من زيادة الرسوم في السكر والخبز والبترول لن يسد فجوة الايرادات المتوقعة.. على الحكومة أن تنظر الى أبعد من ظهر المواطن الذي لم يعد قادراً على حمل الأعباء المعيشية.. أن تذهب نحو الشركات الحكومية وشبه الحكومية، وهي التي تتمتع بكافة الامتيازات.. من الضروري نزع هذه الامتيازات ومنحها للقطاع الخاص لخلق منافسة عادلة يستفيد منها المواطن.. فهناك آفة أكبر اسمها الحكم اللامركزي.. التمدد في الولايات والمحليات.. كم من حلة عدد سكانها بأصابع اليد أصبحت محلية لأسباب قبلية وجهوية.. كم عدد العربات الحكومية من اللاندكروزرات، وبرادو وكامري، وبكاسي دبل كاب، وكم كميات البنزين والجازولين المستهلك.. الوزراء الولائيون الاتحاديون ووزراء الدولة والمستشارون ومخصصاتهم ... هل خفض 25% من مخصصات الدستوريين ستخفض من عجز الموازنة؟.. أعتقد أن ترشيد الصرف الحكرمي يجب أن يطال كل الأجهزة اتحادية أو ولائية.. دمج المحليات والولايات نفسها ضرورة قصوى لخفض تكلفة الحكومة.. القرارات التي أعلنها وزير المالية تعبر بوضوح عن تحميل المواطن لأخطاء الحكومة، تلك الأخطاء التي جعلت من عائدات البترول قبل الانفصال عبارة عن صرف استهلاكي بذخي لا علاقة له بتقوية قطاعات الإنتاج المهمة والتي لنا فيها ميزات كانت تسيّر الدولة حتي في زمن الحرب وقبل ظهور البترول. المشكلة التي سيعاني منها المواطن ليست زيادة أسعار الوقود أو السكر التي أعلنها وزير المالية.. المصيبة تكمن في ما بعد ارتفاع أسعار سلعتين.. فقبل أن يجف مداد قرار الحكومة كانت نيران السوق تلهب جيوب المواطنين.. فزيادة أسعار المحروقات تعني زيادة كافة أسعار السلع لا استثناء، وكثير من السلع تضاعفت أسعارها مرتين.. مرة بسبب الاجراءات الداخلية، والثانية علي خلفية ارتفاع الأسعار عالمياً. إذن وزير المالية يمكن أن يسوى الآتي: هل تذكرون في سالف الزمان قطاعاً اسمه التعاون.. هل من الممكن أن تفكر الحكومة في نفخ الروح في قطاع التعاون؟ أهم ما يمكن أن يميز هذا الاتجاه أنه يوجه الدعم للمستفيد الحقيقي وهم قطاع الفقراء.. فقط من خلال بطاقة تسلم إلى أصحاب الدخل المحدود سواء كانوا داخل أو خارج مظلة العمل الحكومي.. مجرد دراسات حالة تقوم بها وزارة الرعاية الاجتماعية تأخذ الدعم المباشر من الأغنياء لتسد بها حاجيات الشرائح الضعيفة من السلع الأساسية.. نظام الجمعيات التعاونية نظام معروف في عدد من الدول في السلع الاستهلاكية، سكر، وخبز، ولحوم... ومواصلات عامة.. من أكبر اخطائنا الغاء التعاون في ظل سياسة التحرير الاقتصادي، حيث أصبح الجميع يتمتع بدعم الحكومة.. إذن حالة التقشف التي أعلنتها الحكومة يجب أن تطال الدولة بكلياتها، وقطاع كرة القدم الذي يجد كل هذا الزخم جزء من الدولة ويستوجب حالة من الترشيد والإرشاد.