تُعتبر الحقنة القاتلة إحدى وسائل الإعدام تنفيذاً للأحكام القضائية النهائية بالولايات المُتّحدة الأمريكية والتي تتفاوت قوانينها باختلاف ولاياتها والتي ألغت بعضها حكم الإعدام ويستخدم بعضها الحُقنة القاتلة أو الكرسي الكهربائي فيما استبعدت كلها أسلوب الشنق أو الرمي بالرصاص... ويشرف اختصاصيون على درجة عالية من العلم على تنفيذ الأحكام بالإعدام حفاظاً على «إنسانية المُدان» الذي ستُزهق روحه «فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم.. كما أنّ بعض الدول الأوربية التي تستخدم المشانق كبريطانيا أو المقاصل كفرنسا.. يتأكد الجلادون من أنّ «ضحيتهم» قد شرب حتى الثّمالة ويضيفون له كأساً أخيرة تسمى «one for the road» حتى يصل إلى منصة الإعدام في غيبوبة شبه كاملة فلا يشعر بما حوله.. وطبعاً ما فارقه معاهو.. فالنّار مثواه وبئس المصير!! كان الأستاذ هاشم عبيد الله علي إدريس الأمين العام لوزارة التربية والتعليم بالولاية الشمالية يُحادث شقيقته «إيمان» من مكتبه بدنقلا وهي على باب غرفة العمليات بمستشفى كريمة لإجراء «عملية فتاق» قالت لأخيها وهي ترتدي «لِبس العملية» كنت عاوزه أشوفك قبل ما أدخل العملية!! ردّ عليها هاشم «اتوكلي على الله.. دي حاجة بسيطة» ولم يكن يدري ولم تكن المسكينة تدري أن تلك كانت آخر كلامها إذ لم يكن يفصل بينها وبين الموت سوى عشر دقائق لا أكثر!! رنّ تلفون هاشم عند تمام الثامنة صباح الثلاثاء 11/1 ليُبلّغ بوفاة شقيقته إيمان قبل أن تجرى لها العملية عند تنويمها بالبنج!! وعمّ الذهول الجميع.. فقد خرجت الأسرة بالكاد من الحزن على وفاة المرحومة فاطمة الزهراء زوج هاشم عبيد الله قبل ستة أشهر.. ماذا حدث؟ الموت سبيل الأولين والآخرين وكلنا «زراعة موت» إذن سيحصدنا يوماً ما.. ونحن قدريون لا نُرهق أعصابنا في البحث عن أسباب الوفاة حتى لو جاءت في ظروف غامضة خلاص اليوم تمّ.. المعدودة كملت.. ومافي زول مات ناقص عمر ولا رزق.. وكل هذا الكلام يستند على صحيح الإيمان ولكن.. إلى متى يموت النّاس في القرن الحادي والعشرين بخطأ في التخدير، أنا لا أبكي على المرحومة إيمان بقدرما أنني اتّخذها مثالاً للكثير من الضحايا الذين قضوا نتيجة خطأ في التخدير.. حاجة تغيظ.. جامعات زي الهم في القلب.. خريجون أكثر من باعة الأكياس في سوق الخضار.. مستشفيات تناطح السحاب ديلوكس فئة خمسة نجوم.. أطباء كبار تلمع أسماؤهم على لافتات النيون وتتضخم أرصدتهم في البنوك ويتطاولون في البنيان.. ويموت مرضاهم بخطأ في التخدير.. ولمّا كان القصد الجنائي غير متوفر.. ولما كان المريض أو ولي أمره قد وقّع إقراراً يُخلي مسؤولية المستشفى والجرّاح وفريقه من أي مساءلة أو تحقيق فلا ضير إذن من أن يقوم بالتخدير «تمرجيّة» لا يدخل التخدير والتحضير ضمن اختصاصاتهم.. ولا حظّ لهم في هذا «الفن الدقيق» إلا كورس يدخله «الفاقد التعليمي!!» من أصحاب النسب المتواضعة في التحصيل الأكاديمي «ويتمّوا الباقي جربندية» ويتعلموا الحجامة في قفا اليتامى.. صحيح إن التعميم ظالم لأن فيهم من برع في مهنته وساهموا في علاج المرضى وتخفيف آلامهم بشكل يستوجب شكرهم.. ولكن مرة أخرى إلى متى نهتم بالكم على حساب الكيف.. ولماذا نبني مستشفيات عسكرية ومدنية في كل صقع وناحية ولا يستفيد منها إلا المقاول ولا تعدو كونها سطراً في برنامج زيارة السيّد الرئيس مع جولة تفقدية في الصرح المشيد الذي تنحر على عتباته الذبائح وتُقص الشرائط وينعق فيه البوم بعد ذلك.. فلن ينقل أي أخصائي نشاطه الى قرية العِقيدَة مثلاً وفيها مستشفى عسكري بكل المواصفات المطلوبة ولا ينقصه إلا الأطباء والممرضين والمرضانين والأدوية والباقي تمام التمام. مدينة مروي بها مستشفى قديم وآخر جديد وثالث عسكري وليس فيها جميعها سوى أخصائي أطفال وأخصائي نساء وتوليد «قاعدين بالولِف» والولف قتّال!! ومستشفى كريمة به العديد من الأخصائيين ليس من بينهم أخصائي تخدير!! وكل شيء يسير في مستشفيات الشمالية بالبركة. يا صلاح قوش ونخاطبك باسمك المُجرّد فأنت ولدنا وأخونا ونائب دائرتنا.. ما عاوزين نحاسب زول ولا نقاضي طبيب.. وإيمان عبيد الله روحها ما أغلى من الماتو الفاتو والعليهم الدور!! لكننا نوقن بأنّ من أسهم بفاعلية في تنمية المنطقة اقتصادياً واجتماعياً وخدمياً «هو أنت» قبل أن تصبح نائباً برلمانياً منتخباً وأنت من يُؤمن بأن العمل خير من الكلام.. ندعوك ونرجوك أن تحل لنا هذه القضية.. قضية أن يعمل مستشفى واحد بطاقة كاملة فالطرق سالكة ومسفلتة والعربات متوفرة والوقود راقد.. ومافي داعي لكثرة المباني وقلة المعاني. وهذا هو المفروض.