يحكي عدد الركشات الهائل في شوارعنا والفئات العمرية الصغيرة التي تقودها عن تدهور مريع في أوضاع الشباب بالبلاد في الوضع الراهن، فالتوسع في ثورة التعليم وآلاف الخريجين سنوياً في الجامعات والمعاهد يتيهون في الشوارع ولا يجدون سوى البطالة والجلوس تحت (الضللة) في الشوارع، والذي تأخذه الهاشمية يظل يلف ويدور كساقية جحا ما بين مكاتب الخدمة والبحث عن وظيفة في مهب الريح، فالواسطة بالمرصاد و(الماعندو ضهر) لا يجد أمامه إلا عالم الركشات التي ملأت الخرطوم والولايات (ولعلها أحد مسببات زيادة ثقب الأوزون)، بتلويثها للبيئة بالدخان السام المنبعث من العوادم، حقاً هالني ما رأيت ... سواق الركشة الدكتور.. فتى مهندم تخرج حديثاً من إحدى الجامعات المرموقة، ولأنه تخرج ولم يجد من يقف معه في محنة وفاة والده.. وإخوته صغار وفي المدارس، فلقد امتهن سواقة الركشة أو التكتك.. غير عابيء بالشهادة والتي يراها غير مواكبة، لأنه وكما يقول يحتاج إلى سنوات طويلة للإيفاء بمتطلباته إذا عمل كطبيب، ناهيك عن أسرته التي تحتاج منه الرعاية وبذل المال، وأكثر ما ألمني عندما قال لي: هم القروا عملوا شنو.. مما أصابني بالغثيان، وهو نموذج لآلاف من الشباب كل يحمل همومه ومآسيه بعيداً عن ترف يجده نظراؤه في العديد من التنظيمات والاتحادات والمؤسسات الشبابية المعروفة.. نعم الرزق على الله ولكنها أي الركشة، تعد من الأعمال الهامشية وعلى المدي البعيد ليست ذات جدوى.. والسؤال الذي يخنقني: هل أصبحت الركشات المستقبل لهؤلاء الشباب.. وما هو دور الجهات المختصة والتي تتلقى دعماً ثابتاً من خزينة الدولة لحل قضايا إخوانهم ممن أجبرتهم قسوة الحياة لأن يطرقوا مثل تلك الأبواب، حقاً الأدوار مفقودة يا أمانة الشباب ويا الاتحاد الوطني للشباب السوداني والاتحاد العام للطلاب السودانيين ويا الشبكة الطلابية ويا وزارة الشؤون الاجتماعية ويا وزارة الشباب والرياضة و... و... والعديد من الجهات المعروفة التي تتلقى تلك الدعومات وغيرها، وحقاً العالم ركشة صغيرة! صوت في الزمن الضائع بعد أن ألحت عليه والدته في طلب المزيد من المال وضرورة شرب كوب عصير للاعتناء بمظهره الذي أصبح يضاهي الشماسة، احتج قائلاً: عليك الله يا أمي أطلعي لي من ركشة حياتي.