لا زالت رواية الكاتبة الأمريكية (مارغريت ميتشل) (ذهب مع الريح)، التي كتبتها في العام 1861م، والتي تدور كلها حول انفصال الجنوب الأمريكي عن الشمال.. والحرب التي اشعلها.. في ذاكرة كل من تمتع بقراءة تلك الدرة الأدبية الراقية، (والتي قام بتمثيلها آنذاك أشهر ممثلي هوليود) (كلارك جبيل- وفيفيان لي)، والتي حازت لأول وآخر مرة في التاريخ على ست جوائز أوسكار وهي أرفع جائزة في أمريكا وكانت تلك الرواية نتاج انفصال اتلانتا عن جورجيا برغم كل المصالح المشتركة بينهما- من اقتصادية وسياسية واجتماعية، إلا أن الأطماع والعمالة والجاسوسية كانت عود الثقاب الذي أشعل أوار الحرب حتى تم الانفصال.. فتكبد الطرفان الخسائر الفادحة.. وعانت جورجيا من كساد السلع.. واتلانتا من الفقر.. ودفع الشعب والجنود ضريبة تلك الأطماع، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها.. عاد كل طرف ليبحث عن مصادر تعيد اليه مكانته الاقتصادية.. (وتكفيه شر حاجته للطرف الآخر) بعد تعذر الوصال.. فكان الحل في الأرض، استثمارها، زراعتها، واستقلاب خيراتها، هاهي أمريكا تعيد صياغة (ذهب مع الريح)، في السودان مع الفارق بأن ليس هناك قصة حب عاصفة ولا يحزنون، ففي حضرة الوطن تجف منابع المشاعر، فلا يعود يحرك ودادها سوى النداء الأكبر..!. وفارق آخر بأننا شعب لا نعرف كيف نستثمر ما هو متاح لنا.. أو ما يمكن أن يكون متاحاً!!. شمالنا كنز لا نعرف كيف نصقل درره.. فها هو وزير المعادن (عبد الباقي الجيلاني) يقول إن الولاية الشمالية تختزن العديد من المعادن الاستراتيجية التي يعول عليها في بناء النهضة الاقتصادية بالبلاد- وأعلن أن وزارته بصدد إقامة (معمل للمعادن وشرطة لحمايتها)، وأشار إلى أن السودان سيتجه إلى المعادن بصورة مباشرة لتسهم بصورة أساسية في الناتج المحلي والقومي.. وقال إن الولاية الشمالية بها أكبر مخزون جوفي ومعدني وجيلوجي وطبيعي، فيما يعرف (بالحجر الرملي- النوبي- الذي يحتوي على كميات كبيرة من المياه الجوفية والبترول.. وأكد أن مليار طن من حديد الاولتيك موجود في حلفا، وأن هناك اكتشافات استراتيجية تمت بالولاية.. إن بلادنا زاخرة بالخير.. الآثار.. المعادن.. البترول.. النيل.. التربة والمناخ.. ما نحتاجه فقط هو كيف نستفيد من كل هذه المتاحات بأقصى طاقة وبأفضل وسيلة، إذا تجنبنا الحرب والثورات والانقسامات والانهزامات.. وعملنا جميعاً لمصلحة هذا الوطن بلا أطماع.. أو أغراض شخصية، لكفكفنا الدموع وحبسنا العبرات..!. زاوية أخيرة: إذا ذهب الجنوب مع الريح.. فموسم الهجرة إلى الشمال لازال متاحاً.. دعوا ما مضى إلى ماهو آتٍ..!.