من الغرائب والعجائب في عالم السياسة أن نسمع الآن أن المواطن الجنوبي في حال تعايشه مع أخيه الشمالي يكون من الدرجة الثانية.. واذا استعرضنا أوضاع الإخوة الجنوبيين منذ تكوين أول حكومة وطنية، لم يُنظر إليهم الشمال على أنهم مواطنين في درجة أقل منهم، وإذا كانت الحركة الشعبية تضع في مخيلتها أن مواطنيها أقل درجة في التعامل من مواطني الشمال تكون ارتكبت خطأً تاريخياً لا غفران له.. واعتبرنا كفاحها ونضالها كان يخفي وراءه الاستقلال الكامل من السودان الشمالي وتكوين دولة مستقلة، وكان لابد لهذا السر أن يُعلن عند توقيع اتفاق نيفاشا حتى تنص الاتفاقية منذ توقيعها على الاستقلال الكامل وتكوين دولة، وما كانت هناك ضرورة لفترة انتقالية ولا تقسيم للسلطة والثروة والصيحات المدمرة لنسيج السودان الموحد تعلو هذه الأيام.وما دام الانفصال والاستقلال رغبة تكمن في نفس أي جنوبي.. لماذا أجرى التعداد بالجنوب، وما جدوى الانتخابات.. ولماذا التنادي بالاعتراض على قوانين بعينها وخاصة قانون الأمن والمخابرات الوطني.. ولماذا هذه الربكة وخلط أوراق السياسة.. فالذي ينادي بالانفصال وتكوين دولة مستقلة ليس عليه التدخل في شؤون الآخرين.. فليترك القوانين كما هو ويذهب حيث مقاصده التي نأمل أن تكون جمهورية أفلاطونية، فدعاوي بعض الساسة بأن الجنوبي في ظل الوحدة يصبح مواطناً من الدرجة الأدنى من أخيه الشمالي.. دعاوي المقصد منها إثارة الرأي العام المحلي وزرع بذور الفرقة والتشتت في مفاصل دولة السودان الموحد بجميع أرجائه منذ أن وجد.. وهذه الصيحة التي نسمعها الآن ويرددها البعض حتى أعداء النظام في الداخل ليس لها مرجعية يمكن الإعتماد عليها، وإذا أردنا أن نثبت حقيقة أن الشمالي والجنوبي سواسية كأسنان المشط فلنبدأ بالوظائف العليا في الحكومة المركزية.. فليقل واحد إن الدستوري الجنوبي مخصصاته أقل من أخيه الشمالي في أي شيء!! والأمثلة في عدم صحة دعاوي الدرجة والمرتبة تتمثل في كل مرافق الدولة، في الشمال للجنوبي نفس امتيازات الشمالي.. وحتى على مستوى المواطنين العاديين الذين يعيشون في الولايات الشمالية.. من سلب حقهم في ظل القانون.. فالبعض منهم يسكن الأحياء الراقية ويمتطي العربات الفارهة وأبناؤه يستمتعون بكل الخدمات المتاحة ويدرسون في أحسن المدارس والمؤسسات التعليمية ويرتادون أفخر الأماكن في العاصمة ومدن الولايات، ولا يستطيع كائن من كان أن ينتقص من حقوقهم.. فأين يا ترى النظرة الدونية في ذلك، وإذا افترضنا أن الأمور وصلت إلى منتهاها وفضل الجنوبيون التمسك بخيار الاستقلال وتكوين دولة.. فهذا لن يغير من طبيعة الأشياء في الشمال.. وسيظل الأخوة الجنوبيون الذين يعيشون بالشمال محل احترام وتقدير ولن تهضم لهم أي حقوق. الآن نقولها بكل صراحة أن المواطن الشمالي في الجنوب أصبح من الدرجة الثانية.. خاصة بعد اتفاق نيفاشا.. وتقلد الجنوبيون كل الوظائف وخلا الهيكل الوظيفي في حكومة الجنوب في أي عنصر شمالي.. فمظالم الشماليين مازالت قيد النظر في حكومة الجنوب.. فهناك من أُحرقت متاجرهم ومنازلهم وتضايقوا في ممارسة تجارتهم، والبعض آثر أن يعود إلى الشمال بعد أن أفنى زهرة شبابه في خدمة الجنوب بلا مال أو ممتلكات.. أين العدل؟ عموماً نقول إنه بعد نيفاشا وتقسيم السلطة بين الشمال والجنوب استأثر الجنوبيون بجنوبهم خالصاً لهم وتقاسموا السلطة في الشمال بنسبة 30%.. مما يجعل الجنوبيين في مرتبة أعلى من الشمال فيظل الشمالي في الدرجة الأولى، بينما نجد أن الجنوبي بكل هذه الامتيازات والاستحقاقات مواطن من الدرجة الأولى الممتازة.. لذا على الساسة الجنوبيين أن يعيدوا قراءة الأحداث، والسؤال المطروح هل يكون الجنوبي درجة أولى ممتازة بعد الانفصال؟