لمع اسم الفريق محمد بشير سليمان كثيراً داخل القوات المسلحة التي بلغ فيها أعلى الرُّتب.. ولمع اسمه في أخريات أيامه بها عندما تناقل مجتمع المدنية ومجالسها وصالوناتها السياسية نبأ ترؤسه لمجموعة عسكرية تخطط للانقلاب على السلطة القائمة.. وأخذ الكثيرون يوزعون الأدوار والمقاعد والمناصب.. وجاء ذلك كله وسط غبار كثيف عقب مُفاصلة الإسلاميين الشهيرة التي أقصت عراب الإنقاذ في عهدها الأول الدكتور حسن الترابي ومجموعته المقربة عن مواقع اتخاذ القرار.. بل مشت به إلى أبعد من ذلك وقادته إلى داخل المعتقل، وأضحت الساحة السياسية مجالاً واسعاً للكر والفر بين التوأم السياسي المنفصل بعملية جراحية قاسية. ولمع اسم الفريق محمد بشير سليمان حتى بعد أن ترك الخدمة العسكرية ورشح نفسه لمنصب الوالي في ولاية شمال كردفان وحدثت صراعات.. وفوز.. وفوز مضاد إلى أن تدخلت السلطة السياسية العليا لوقف هذا النزيف في عضوية الحزب وتم إعلان والٍ ونائب له.. فكان الأخير هو ضيف «آخر لحظة» اليوم سعادة الفريق محمد بشير سليمان.وحتى بعد مضي ما يقارب السبعة أشهر من انتخاب حكومات الولايات لمع اسم الفريق محمد بشير مجدداً من خلال ما أخذت تنشره بعض الصحف من تلميحات أو تصريحات حول خلافات أخذت تهز قاعدة الحكم في ولاية شمال كردفان. زار سعادة الفريق محمد بشير سليمان الخرطوم مؤخراً، فرأينا أن نلقي عليه شباك «آخر لحظة» وأن نجلسه على الكرسي الساخن بصفتيه الأولى كنائب للوالي والثانية كوزير للزراعة في الولاية التي تذخر بثروات هائلة تستحق أن نستجوب الوزير حولها. سعادة الفريق كيف ترى مآلات انعكاس الأوضاع في دارفور على شمال كردفان؟ في البدء أشكر أسرة صحيفة «آخر لحظة»، هذه الصحيفة التي أصبح يُشار إليها بالبنان من بين الصحف السودانية، وأحسب أن مرد هذا بعد توفيق الله تبارك وتعالى، عملٌ مهني وفني واضح، ومؤسس على دور الصحافة في أن تؤدي رسالة هادفة، ونتمنى المزيد من التقدم والنجاح لهذه الصحيفة على وجه الخصوص والإعلام في السودان بوجه عام.. وقبل الإجابة على سؤالك عن قضية دارفور وما هي المآلات، دعني أعود بك إلى العام 1992م عندما كانت كوندليزا رايس رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي كلفت مركز الدراسات الإستراتيجية الأمريكي بأن يقدم دراسة عن السودان، وهذه الدراسة الآن متاحة لمن يبحث عنها في وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية.. وأفضت الدراسة إلى أن السودان هذا بموقعه وحجمه وتأثيره وبُعده الجيوجغرافي والجيوسياسي يجب أن يقسم، وهذا التقسيم انبنى على أن تكون ولاية دارفور الكبرى وشمال كردفان الكبرى جزءً من التقسيم يتبع إلى المظلة الاستراتيجية الإسرائيلية.. فلذلك لعلك كلما تقرأ كل مجريات الأحداث تجد أن حركات دارفور المسلحة لديها ارتباط وثيق بإسرائيل في الإعلام وفي التمويل وفي التدريب والزيارات، وما يقوله عبد الواحد محمد نور وخليل إبراهيم وآخرون إلا رسالة واضحة في هذا الاتجاه.. ولعليّ أدلف إلى ما قاله وزير الخارجية الأمريكية عقب التوقيع على اتفاقية السلام الشامل كولن باول آنذاك، قال نحن لن نتعامل مع السودان ما لم تحل قضية دارفور، لذا يجب أن نأخذ قضية دارفور بهذا البعد إلى ما بعد مآلات الاستفتاء انفصالاً أو وحدة لجنوب السودان، ومن ثم أحسب أن الإستراتيجية التي وردت في الدراسة وعمل بها من خلال كل العلاقات الأمريكية مع السودان هي ذات الإستراتيجية التي سوف تستمر إلى ما بعد الاستفتاء، وبالتالي من يحسب أن السودان سيظل مستقراً من بعد الاستفتاء سواءً جاءت نتيجته وحدة أو انفصالاً فإنه لم يقرأ البُعد الإستراتيجي للسياسة الخارجية الدولية ولا الإقليمية تجاه السودان ومن ثم يصبح بتلك الرؤية التي أبانت علاقة كردفان بدارفور في بعد تقرير المصير الآخر سوف تظل هذه السياسة مستمرة، وبالتالي أصبح استهداف شمال كردفان في الاستقطاب والدخول إليها وتهديد الأمن الولائي فيها ليس مستبعداً، ولعل ذلك يُدرك من خلال وجود حركات دارفور في جنوب السودان. وأحسب أنه إذا حدث انفصال فإن حكومة الجنوب لن تكون لها الحرية والاستقلالية وستكون ذراعاً من البعد الإستراتيجي الخارجي والمصالح الإستراتيجية الخارجية التي تقودها أمريكا بوضوح تجاه السودان، ومن ثم علينا أن نتحسب بدءاً بتقدير موقف سياسي عسكري إستراتيجي لتحديد مآلات ما بعد الانفصال في شأن كردفان ودارفور حتى نضع الخطط والبرامج لإحتواء ما قد ينجم من بعد الانفصال.. وبالتالي أقول إنني غير متفائل لمجريات الأحداث عقب الانفصال، خاصة في ظل الوجود الأمريكي والإسرائيلي في بعده الكبير تجاه الأمن القومي العربي والسوداني، وما يجري الآن من تنازع في السلطة التنفيذية والتشريعية في السياسة الأمريكية حين يقول الجهاز التنفيذي إنه سيعيد علاقته مع السودان في إطار رؤية أخرى، وأن يصدر الكونغرس الأمريكي وغيره أن لا تطبيع محتمل في القريب العاجل للعلاقات مع السودان، افتكر ذلك رسالة واضحة في إطار ما سيحدث من استهداف واضح والذي لم ينقطع أصلاً تجاه السودان ببعده العربي الجديد. بصفتك رجل عسكري وصاحب رؤية عسكرية وفهم إستراتيجي في القضايا الكلية الكبيرة هل تتوقع أن يتم استخدام الفصل السابع للتدخل في السودان من قانون الأمم المتحدة؟ بعد الانفصال لا أحسب أن الفصل السابع قد يتم تطبيقه، لكنه قد يتطور لاحقاً في إطار الصراع في دارفور ويصبح له تأثير ودور، وأتمنى أن يحسم الوجود الأممي وقوات اليوناميد داخل دارفور الكبرى باتخاذ قرار، لأنها هي ستكون قاعدة ارتكاز ويد ممتدة لتمكين إصدار قرار فيما يتعلق بالفصل السابع إذا تم ذلك.. ولكن إلى هذه اللحظة أحسب أنه قد يكون ضعفاً في إطار مسار الاستفتاء وما فيه من بعد وحقيقة، أحسب أنه فيه قدر من النزاهة ورسالة للعالم أنه جرى دون أن تحدث تداعيات أمنية أو اضطرابات أمنية داخل السودان، وهذا يقوي من موقف الحكومة السودانية في إطار أنها حكومة راشدة. هل ما أشرت إليه من نزاهة في عملية الاستفتاء سيكون دافعاً لانسحاب القوات الأممية من السودان وخاصة التي جاءت لحماية اتفاقية نيفاشا والتي تقدر ب«20» ألف مقاتل هل تتوقع أن تبقى أم تنسحب تدريجياً؟ أتوقع أنها بحكم وضعها في اتفاقية نيفاشا وما تم من تنفيذ كامل لبنود الاتفاقية وكان خاتمة المطاف إجراء عملية تقرير المصير.. وأحسب أنه سيأتي الانفصال وبعد ذلك سيكون السودان دولتين ولكل دولة سيادتها وحدودها ومن ثم يصبح لا وجود لقوات أممية في إطار دولتين ليس بينها اتفاق، وهذا أحسب أنه ليس مؤسس له في إطار دولتين، خاصة وأن الدولة الجديدة بنيت على استفتاء حقيقي وانفصال حقيقي لم تشوبه أي مهددات أمنية ولن يرى ذلك في القريب العاجل في إطار استهداف الشمال للجنوب، إلا إذا تداعت قضية أبيي وقضية الحدود التي أصلاً هي قائمة وستجعل من الموقف السياسي والعسكري موقفاً مايعاً قابلاً أن يتحوَّر لأي شكل من أشكال الصراع.. وهذا اذا حدث يقرر مجلس الأمن بإزدواجية المعايير، وجود قوات أممية تفصل بين الشمال والجنوب مثلما حدث مع اثيوبيا وارتيريا وهذا متوقع. بالرجوع لتداعيات دارفور، أكثر الحركات التي كان يمكن أن يتضرر منها مواطن كردفان حركة العدل والمساواة، وقد تم التوقيع على اتفاق سلام مع جزء من هذه الحركة التي تضم أبناء كردفان مجموعة أحمد وادي يا حبذا لو سلطنا الضوء على هذا الأمر؟ وهل هذا التوقيع حجَّم نشاط الحركة بالولاية، وهل التوقيع تم مع أشخاص، وهل يمكن أن تكون هنالك مجموعة ما زالت لديها القدرة على التحرك في الولاية وضرب الأشخاص والمصالح؟ حقيقة أود أن اؤكد أن الذي وقَّع على الاتفاقية مع مجموعة أحمد واد هو الجهاز السياسي الذي يحكم الآن، وأن الذين ذهبوا للقاهرة وأداروا هذا الحوار لم يكونوا منعزلين عن رأي السلطة التنفيذية السياسية القائمة، وجاء أحمد وادي ومجموعته بطريقة معروفة للجميع.. ولكن أقول إنني من الذين جلسوا معه في إطار تفكيك العدل والمساواة ووعد بذلك، بل أعلن انضمامه للمؤتمر الوطني في إحدى الليالي السياسية في مدينة أم روابة وكان لديه بعض القضايا ساهمنا في معالجتها في إطار مشروع خور أبو حبل.. وبعد ذلك لا أرى ما يُفهم على أن هناك نشاطاً حقيقياً للحركة داخل الولاية، وإن وجد قد يكون لشخص أو شخصين داخل العدل الأم في إطار استهدافها لشمال كردفان قد يكونوا شاركوا، ولكن ليس بحجم الحركة التي كان يقودها أحمد واد. سعادة الفريق باعتبارك خبيراً عسكرياً ورجل سياسي وتتولى مسؤوليات كبيرة ترتبط بمعاش الناس في وزارة الزراعة في شمال كردفان، ومعلوم أن ولايتكم من الولايات التي تتأثر بالعلاقة سلباً أو إيجاباً مع الجنوب، بالإضافة إلى أنها من الولايات الحدودية بين الشمال والجنوب.. هل تتوقع أن تعيد أبيي الشمال والجنوب لمربع الحرب لا سيما وأن النتائج الأولية للاستفتاء رجحت الانفصال بنسبة 98%؟ سبق وأن قدمت دراسة في هذا الموضوع، وقضية أبيي قضية معقدة جداً، وهي قابلة لأن تلتهب وأن تقود الجنوب والشمال إلى صراع، فإذا حدث ذلك ستكون هناك أبعاد أخرى غير الأبعاد المحلية، أبعاد إقليمية ودولية وسوف تحسب في إطار أن هذه المشكلة سوف تكون مهدداً للأمن والسيادة العالميين ويحدث التدخل، والذي أحسب أنه سيكون بمعيار مزدوج بحسبان أن الميل سيكون تجاه الحركة أو الدولة الوليدة.. ولكن ينبغي على القيادة الجنوبيةالجديدة السياسية والعسكرية ومستشاري هذه الحكومة الذين بالطبع هم ليس من أبناء الجنوب، بقدر ما أدركوا أن الصراع لم يجد نفعاً في قضية الجنوب الكلية، عليهم أن يدركوا أن حل قضية دارفور ليس بالصراع المسلح وإنما هي قضية حوار مؤسسي على البعد الإستراتيجي، للنسيج الاجتماعي والمرتبط والمتناسق ما بين الشمال والجنوب في إطار البعد القبلي والتداخل والبعد الاقتصادي، ومن خلال أن هذه المنطقة منطقة بترول وأي صراع فيها لن يفيد في إطار المصالح الإستراتيجية والأهداف الكلية للطرفين، والآن لم يصبح الصراع فيما بين الدول في إطار المصالح يحسب بالقوة العسكرية ولا في إطار الموازنات، وإنما يحسب في إطار الأمن القومي الكلي في الاقتصاد والسياسة والاجتماع، فافتكر أن الدولة الوليدة هي الأحوج للاستقرار والسلام، لا سيما وأنها تفتقر لكثير من مؤهلات الدولة الحقيقية ويجب أن ندرك أن الحرب كما يقال إنها دمرت الجنوب كذلك دمرت الشمال، واستمرارها يعني الاستمرار في حلقة كبيرة، فالطرفان يجب أن يدركا ذلك. رشح في بعض وسائل الإعلام مؤخراً وجود فجوة غذائية في شمال كردفان ما هي حقيقة الأوضاع بالولاية فيما يخص الفجوة؟ أولاً دعني أقول إن كافة ولايات السودان دون شمال كردفان هي ليست ولايات تحقق أمنها الغذائي، وأقول وفقاً للمسح الزراعي والمعلومات التي لدينا لا يوجد نقص كبير في الأمن الغذائي في الولاية، حيث إن النقص لا يتجاوز ال«10%»، ولكن مع ذلك هناك قضايا كثيرة تواجه قطاع الزراعة بالولاية من بينها عدم وجود علاقة ربط بين المزارع والوزارة لإخراج السياسات الزراعية، بجانب عدم وجود تقنية وسيطة تساعد على الزراعة والنظافة والحصاد، خاصة وأن الولاية تعاني من نقص في الأيدي العاملة بسبب هجر العاملين للزراعة لعدم قناعتهم بجدواها واتجاههم نحو الذهب. ونحن وضعنا خطة في 2011م لمعالجة مشكلة الأمن الغذائي بالولاية، وهذه الخطة مبنية على تحديد الميزة النسبية للمحصول الذي تتم زراعته وتحديد المساحة المستهدفة للزراعة في كل أقليم، وأن نتفاوض مع كل الجهات ذات الصلة ونطلعهم على المساحات المستهدفة، والمحصول الذي يجب زراعته في كل محلية.