استطعت أن أتوصّل بسهولة إلى أنني مُصاب بإدمان مشاهدة قناة الجزيرة فبمجرد أن أُوقف بثها من على القمر الصناعي نايلسات.. تحولت إلى بقية القنوات الإخبارية العربية منها والإنجليزية فلم تُشبع رغبتي في التواصل مع ما يستجد في مصر الشقيقة من وقائع وحوادث وما يُصاحب ذلك من أفعال وردود أفعال وتعليقات وتحليلات واستطلاعات وانفقت بعض المال لأتمكّن من التقاط إرسال الجزيرة من أقمار أخرى وقد كان.. ثم عاد بث قناة الجزيرة على القمر نايلسات!! وأيقنت أن مُعظم النّاس إن لم يكونوا كلهم لا يتابعون الأخبار الهامة إلا من خلال قناة الجزيرة.. والجزيرة ليست مُبرّأة عندي من الغرض.. بل فيها ازدواج المعايير.. ومع أن سياستها المُعلنة وشعارها الثابت هو الرأي والرأي الآخر إلا أن واقع تغطياتها يقول بغير ذلك.. فتعاملهم مع القضية الفلسطينية.. ومع القضية اللبنانية ومع قضية العراق وأفغانستان غير تعاملها مع قضية السودان في الجنوب وفي دارفور.. فقد كاد ياسر عرمان أن يكون مراسلاً للجزيرة من نيفاشا.. وظلت تمالي متمردي دارفور وتبث افتراءات الغربيين وتتحامل على موقف الحكومة وتسارع في بث كل ما يضر بالموقف الرسمي باستضافتها للمعارضين باستمرار.. ولم تهدأ حدة موقفها إلا عندما استضافت الدوحة منبر مفاوضات دارفور!! وكل هذا لا ينفي بعض مواقفها المشرقة في برامج عين على السودان وتغطيتها الشاملة للانتخابات العامة والاستفتاء على حق تقرير المصير لجنوب السودان وعموماً فمن غير الإنصاف أن نقول الجزيرة سيئة ومتآمرة على العالم العربي وأنّها تنفذ أجندة أجنبية أو أنها تتعمد نشر غسيل العرب القذر وتمارس جلد الذات وتسكت عن بعض الجهات والدول والقادة.. مما عرّضها لغضبة بعض الحكّام بدءًا من الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني السابق وقد اشترك كلاهما في التفكير الجدي بقصف قناة الجزيرة لإسكاتها ويكفيها هذا فخراً إلى جانب سقوط شهداء من القناة وهم يؤدون واجبهم.. واعتقال البعض في غوانتنامو سيء السمعة وسجن بعضهم وتقييد إقامة آخرين وإغلاق مكاتب القناة في العديد من الدول العربية وسحب تراخيص وبطاقات منسوبيها في اللحظات الحرجة لحدثٍ ما وقد كان دور الجزيرة بارزاً في الثورة التونسية فقد ركّزت على انتحار بوعزيزي في مدينة سيدي أبو زيد حتى تفاقمت ردود الأفعال وأنجبت ثورة عارمة ومكتب الجزيرة «مقفول» فنحن نعيش في عالم بلا حدود ولا قيود.. وما أن تحركت مشاعر الغضب لدى جماهير الشباب المصري حتى كانت الجزيرة حاضرة.. فأضاف المسؤولون المصريون لأفكارهم البائسة والمتخلفة للحد من انتشار عدوى الثورة -بإغلاق خدمة الانترنت وإيقاف العمل بالهاتف الجوال نهائياً- إغلاق مكتب قناة الجزيرة وسحبها من باقة القمر نايلسات ومحاولة التشويش عليها في القمر عربسات ولم يعدم الناس حيلة في التواصل المتابعة عبر وسائط عديدة فليس بالفيس بوك وحده تحيا الثورات.. وليس بنايلسات وحده تنتقل الصورة فالفضاء اللا متناهي يُوفّر العديد من الحلول وقد تلقيت رسالة من صديق مُقيم بالسعودية يقول «حفاظاً على ما تبقى من السودان وسلامة أهله اخرجوا قناة الجزيرة ومراسليها من السودان وإلى الأبد أسوة بالسعودية».. فقلت في نفسي أي وسواس خنّاس أوحى لصديقي بهذه التوصية فليس لدينا ما نُخفيه وإن كان هناك قصور أو خطأ فإن عبء تصحيحه يقع على إعلامنا المرئي والمسموع والمقروء وهو في ما أعلم لا يرجى برؤه من دائه العضال ولن تفيد فيه سياسة الترقيع أو لا يُمكن «إصلاح عجلات قطار يسير» ولم يعد في الدنيا كلها دولة تتحكم في إعلامها وتنجح.. في حين أن الدول المتقدمة يبدو إعلامها حراً وهو في الواقع غير ذلك ونجد أن قناة مثلCNN توجه للداخل الأمريكي ما لا توجهه للخارج وتحجب عن مواطنيها الكثير الذي تبثه للخارج وكذلك الحال في كثير من وسائط الإعلام الغربي الذي يكيل بمكيالين في كل شيء كل شيء. إن الحرب على قناة الجزيرة بسياسة المنع والطرد والضرب والتشويش لن تقعد بها عن مواصلة خطها والذي نرجو أن تراجعه في بعض المواقف والمواقع بحيث لا تترك الحبل على الغارب للعواطف والانتماءات الأيدولوجية لبعض منسوبيها فتطغى حماس على فتح مثلاً أو السنة على الشيعة في العراق أو المتمردين على الحكومة في السودان لمجرد أن بعض موظفيها يؤيدون خطاً على حساب الآخر فيغيب الرأي الآخر أو يُغيّب مما يترك الموجدة في نفوس المتضررين وينعكس كل ذلك على القناة ومصداقيتها. طفلي الصغير وهو يُشاهد معي في برنامج الاتجاه المعاكس قال. «لي الناس ديل عاملين «هرجلة» الأستاذة حتجلدهم بالسوط» فقلت في نفسي حتى لا أرهق عقله الغض النضير «ديل قاعدين يمثلوا علينا وأكبر الممثلين هو مُقدّم البرنامج.. يا جماعة.. يا جماعة هذا قبل أن يضيف مطرقة خشبية» لديكور البرنامج تزيده «إثارة هي مبتغاه» لكي يستمر هذا البرنامج الذي لم يتورّع مقدمه من استضافة» امرأة شتمت القرآن الكريم كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. مع علمه بموقفها المُعلن في الكفر بالقرآن- قناة الجزيرة الرأي والرأي الآخر مرحباً بها في كل أزمة بذات الشعار بعيداً عن ازدواج المعايير.. وهذا هو المفروض.