يبدو ان قناة الجزيرة الفضائية صادرت قلوب واعين الملايين من سكان العالم العربي ومنطقة الشرق الاوسط بعد ان آلت القناة على نفسها تقديم الخدمات الاخبارية على مدار الساعة من دول كان رؤساؤها ربما يعتقدون انهم بمأمن من الاطاحة مع اشراق شمس كل صباح وهم وسط انغام ولوحات سريالية من التقارير التي ربما الهمتهم الخلود والبقاء الى حين قيام الساعة، فهل كانت الشعوب بمثابة صواعق دكت حصونهم المشيدة ، فأصبحوا يحملون كلمة «رئيس سابق» اكثر من اسمائهم. ويرى بعض المراقبين ان ممارسة القهر والكبت من قبل تلك الانظمة الهبت الحماس في نفس شعوب المنطقة العربية خاصة بعد تشبعهم من متابعة الاحداث والتظاهرات بتسمرهم امام شاشات التلفزة الفضائية . ولكن أليس هنالك ثمة اسئلة تطرح منذ احتراق الشاب العشريني بوعزيزي بتونس والهامه لشعبه والانتفاض والثأر لكرامته، فكللت تلك الانتفاضة بالقضاء على النظام التونسي الذي قضى نحبه بعد اكثر من 23عاما فانتقلت العدوى للشعب المصري بسقوط النظام المصري ايضا بعد 30عاما قضاها مبارك حاكما لمصر من قصر العروبة بقاهرة المعز، ولكن وفقا لما اشار اليه بعض الخبراء ان توفر مادة اخبارية دسمة ومباشرة من قلب الحدث بالرغم من بعض التغطيات المتفرقة لبعض القنوات الفضائية كانت من نصيب قناة الجزيرة التي تمركزت بالميادين بكاميراتها ومذيعيها وكواليسها لنقل التظاهرات صباحا ومساء وهي تعلن للملأ انتظارها عشية وضحاها لتلقي المزيد من الاخبار الدسمة لاشباع رغبتهم بتملك المعلومات. فتسمع الاحاديث والهمسات حول الاطاحة بالانظمة بوسائل المواصلات والاسواق العامة منسوبة لقناة الجزيرة في اغلب الاحيان ، بيد ان احتلال قناة الجزيرة لميادين التظاهر وتخصيص مراسلين على مدار الساعة لنقل المعلومات والاحداث من شأنه ان يشير باصابع الاتهام للجزيرة بعدم مواكبتها للمهنية الصارمة وربما تتفق معها حينما تجد ان طبيعة المنطقة العربية التي لم يلج اليها حراك التداول السلمي للسلطة وفراقها لصناديق الانتخابات المصممة للديمقراطية وبالتالي توفر حريات اعلامية تتيح للاعلام العربي متابعة الحدث بشفافية ومصداقية ، فأيهما اقرب حالا ؟ ومتابعتها من قبل ملايين المشاهدين التي ربما جعلتهم الاحداث تواقين للحرية والتخلص من ركام انظمته وربما تمكن الملايين من متابعة اغلب الاحداث بعيون قناة الجزيرة القطرية . فهل كانت الجزيرة تغطي الاحداث بطريقة مهنية ام انها كانت بمثابة ترياق لتلك الشعوب وتتحدث بالوكالة عنهم، لماذا تستجير الانظمة العربية برمضاء تكميم الحريات واتهام الجزيرة بالانحياز لفئة دون الاخرى بالرغم من عدم قبولها للجزيرة او اخواتها بممارسة التعتيم الاعلامي ؟ بدلا من لهب الجزيرة المتقد ناحية الانظمة العربية أليس الاستماع للرأي الآخر ربما مكنهم من الاستمرار في سدة الحكم ؟ واين موقع القائمين على امر الجزيرة القطرية من خارطة الاعراب السياسي، ام ان الامر لايعدو سوي مجرد متابعة لصيقة للاحداث ونقلها اسوة بالوكالات الاجنبية بعد ان كانت شعوب المنطقة ترى في قنوات مثل البي بي سي البريطانية بمثابة آلهة الخبر والتغطية المقدسة والحرة، هل استلبت الجزيرة مواقع اعلامية متقدمة من فضائيات ووكالات انباء عالمية لطالما كانوا اسرع من البرق كما يقولون تندرا لخاصية السرعة . وانا اغادر المنزل متوجها لمقر الصحيفة لم يكن هنالك صوت يصدر من المنازل المجاورة سوي نغمة وفواصل قناة الجزيرة بشعاريه الازرق والذهبي والكل يترقب عبر مذيعي ومذيعات الجزيرة المتأنقات انباء تفيد عن سقوط الزعيم الليبي معمر القذافي« فنغمة »سقوط الانظمة اصبحت مادة دسمة للشعوب العربية ولكن يبدو انهم لايستسيغونها ولايحسنون الاستماع اليها الا عبر قناة الجزيرة الاخبارية. فعندما تم حجب قناة الجزيرة من القمر المصري نايل سات تداول السودانيون الترددات الجديدة للقناة وتم نشرها على نطاق واسع لدرجة ارسالها عبر الرسائل النصية من الهواتف السيارة لمدمني قناة الجزيرة في السودان. ويشير الخبراء ان عملية التشويش المتعمد وعدم كفالة الحريات من قبل الانظمة العربية ارغمت الجزيرة على التحايل واختراق تلك البلدان تارة بنقل صور واخبار وتقارير تتسم بالمهنية وتارة بتخليها عن المهنية الصارخة لاحراز سبق صحفي ونقل مشاهد حية ودسمة تليق بمكانتها كقناة اخبارية متخصصة الا ان لجوءها للخيار الاخير افقدها بعضا من المهنية وصنفها في خانة المعادين للانظمة العربية وخاصة انظمة بعينها. ويرى مدير مكتب قناة الجزيرة بالسودان المسلمي الكباشي ان القناة تميزت بتغطية الاحداث الجارية بعيدا عن الانحياز لاحد اطرافها فلن تفعل الجزيرة غير تغطية ما تراه الاعين واقعا، وبالطبع وضعت الجزيرة في موقف حرج من النظامين التونسي والمصري حيث منعت تونس ابتداء فتح مكتب للجزيرة الا بشروطها وقامت السلطات المصرية بحجب الجزيرة من القمر الصناعي نايل سات، كما قامت بإغلاق مكتبها في القاهرة وسحب تراخيص العمل من المراسلين واعتقال مدير مكتبها.. كان امام الجزيرة خياران اما الانسحاب من احداث بهذا الحجم او ان تظل كما هي في قلب الحدث وبتغطية تليق بسمعتها ومكانتها بين عشرات الملايين من المشاهدين.. وفعلت الاخيرة التي تليق بها، وقد اعانتها التقانة التي تمكن الانسان العادي من ممارسة مهنة الصحافة تصويرا وتقريرا.. ولمنع مراسليها اعتمدت الجزيرة على صحفيين في ميادين التظاهر وبالطبع مثل هذا المراسل هو جزء من الحدث.. والجزيرة في مثل هذه الظروف كانت تسعى سعيا حثيثا لتلقي وبث افادات الطرف الحكومي الآخر ولكن المسؤولين في هذه الحكومات قرروا مقاطعة الجزيرة ظنا منهم ان ذلك يقلل من تداعيات الاحداث ويجنبهم الحرج امام ضعفهم تجاه قوة موقف ومنطق المتظاهرين. ولكن الانظمة سقطت نتيجة المد الثوري الجماهيري الجارف وتوافر ارادة التغيير لدى الشباب وليس للجزيرة من دور سوى نقل التظاهرات وتغطيتها حتى ظهور نتائجها بما يرضي مشاهديها ويوفر لهم خدمة ينتظرونها من الجزيرة التي تعزز فيها ثقة المشاهد. وحول تغطية الاحداث في الثلاثين من الشهر المنصرم، قال الكباشي ان الاحداث لم ترتق لمستوى التظاهر فقد سيطرت عليها السلطات قبل الخروج من مقارها، ولكن الجزيرة اوردت اخبارها وأخبار من تم اعتقالهم على خلفياتها. ويقول الخبير الاعلامي محجوب محمد صالح ان الجزيرة اضطرت في بعض الاحيان للتخلي عن المهنية لنقل صور حية وفعالة لتملك الحقائق للمشاهدين بسبب السياج الذي قوبلت به من انظمة يصعب اختراقها اعلاميا لعدم ايمانها باتاحة الفرصة للرأي والرأي الاخر . وقال محجوب «للصحافة» من الصعب اتهام الجزيرة بعدم المهنية ومعاداة الانظمة العربية، الا انه عاد وقال هذا لايعني انه ليست لديها منطلقات سياسية واضحة بيد انها استطاعت الولوج الى اماكن محظورة ونقل مشاهد حقيقية بعد ان وجدت نفسها مضطرة لذلك بسبب القمع ومصادرة الحريات الاعلامية. واضاف محجوب ان الجزيرة كسرت هذا الحاجز لتغطية واقعية ومباشرة من قلب الاحداث ومحاصرة الانفجارات صحفيا واعلاميا . غير ان بعض الخبراء الاعلاميين حذروا من تجاهل دور القنوات الفضائية وتأثيرها على بناء الرأي العام، واوصي الخبير الاعلامي علي شمو بعدم اغفال دور الاعلام وضرورة اطلاق حريته لممارسة دوره في الجانب السياسي والاجتماعي، وقال شمو في ندوة نظمها الاتحاد العام للصحفيين السودانيين مؤخراً بعنوان «موقع المهنية في الاداء الاعلامي والصحفي العربي والدولي _احداث مصر وتونس نموذجا »، وذكر شمو ان هنالك قنوات ذات مهنية عالية الا انها تضع جرعات خطيرة من التوجهات السياسية واشاد بالمهنية العالية لقناة الجزيرة في تغطية الثورتين التونسية والمصرية، مبينا انها خير مثال للقنوات ذات التأثير السياسي والمهني في الاحداث الاخيرة .