الرئيس البشير منذ (الثلاثين من يونيو 1989م) يعتلي سدة الحكم بالسودان، وقد وعرف بتمسكه بمعتقداته ومبادئه الثابتة، وإيمانه بأن قوة السودان تكمن في وحدته وتماسكه، ومهما اشتدت الخلافات بين شريكي نيفاشا كانت مواقفه حكيمة، تخفف حدة التوتر وتدعو إلى الوئام والتآخي وتعميق مفهوم الوحدة وبقاء الشمال والجنوب تحت مظلة السودان الموحد.. وفي أحلك الظروف التي مر بها السودان منذ اتفاق نيفاشا وجنوح البعض إلى السجالات والتراشقات التي تأتي من صقور المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، لم يخرج البشير عن وقاره وعن المنطق والموضوعية كرجل دولة يحمل مواصفات القيادة الرشيدة والحكيمة. في الجانب الآخر نجد الفريق سلفاكير وهو بلا شك قيادي من الطراز الأول يعرف كيف يتعامل مع مرؤوسيه، ويخرس بعض الألسنة التي تسيئ إلى العلاقة بين شريكي الحكم.. لكنه في بعض المواقف لا يخفى التعاطف مع بني جلدته إلا أنه في الكثير من الأحيان تتوافق أفكاره ورؤاه مع أخيه الرئيس البشير، باعتبار أنه يشاركه المسؤولية في حكم السودان.. ومهما تعقدت الأمور ووصلت إلى سقف المقاطعة تنفرج الأزمة وتتطابق الرؤى بين القيادتين، ويعود الصفاء بين شريكي الحكم، بينما القوى السياسية الأخرى (المعارضة) في محاولة وسعي دائم لتعقيد الأمور لافساد العلاقة بين شريكي نيفاشا. ما يجمع البشير وسلفا الرابطة العسكرية، فكلاهما يمتهن العسكرية، ومعروف عنهما أنهما يتحليان بالضبط والربط والصرامة، واتخاذ القرار المبنى على التكتيك الميداني والمعلوماتي.. وحتى الآن مازال القائدان يقودان سفينة نيفاشا وقد تجاوزا كل المحن والعقبات والمطبات والمنحنيات، بالرغم من العراقيل وحجرات العثرة التي يضعها البعض في طريق نيفاشا.. الآن مضت خمسة أعوام على توقيع اتفاق نيفاشا، شهد فيها السودان شماله وجنوبه جملة من التحديات والصعاب والمهددات، وأجريت الانتخابات العامة وجاءت بالحكومة الوطنية المركزية في الشمال وأخرى في الجنوب، وسفينة الوطن قابعة على شاطئ الأمان ولا خوف عليها طالما أنها تحمل علم الوحدة بألوانه الزاهية، إلا أن البعض يفسدون الأجواء ويحاولون إغراق السفينة وهلاك كل من فيها. المشهد السياسي يعكس الآن مناخاً مغايراً بعد أن قال الجنوبيون كلمتهم، وحددوا مصيرهم بخلق دولة جديدة، إلا أن الشمال يرى أن الوحدة لا بديل لها وهي لمصلحة الجنوب قبل الشمال. الذين دعوا للانفصال من العناصر الجنوبية ارتكبوا خطأً فادحاً عندما ظنوا أن الانفصال يصب في مصلحة الجنوب، وأن ميلاد دولتهم يمكنهم من الاستغناء عن الشمال، وأن الدولة الجديدة سوف تنعم بالأمن والاستقرار في ظل الظروف الصعبة التي تعيش فيها منطقة القرن الأفريقي. إنطلاقاً من شواهد وأسباب عديدة منها الاشتباكات القبلية التي تنفجر بين الحين والآخر، حيث لا صوت يعلو على صوت القبيلة تعجز أي حكومة بالجنوب السيطرة على الاشتباكات.. من جانب آخر هناك المناوشات الحدودية بين الجنوب ومجموعة الدول الأفريقية المجاورة له، فما زال الجنوب يعاني من تواجد الأجانب، وفشلت كل المحاولات في تسوية الخلافات التي نشبت بين مواطني الجنوب والنازحين من دول الجوار، الذين أتوا لإيجاد فرص عمل بالجنوب، الأمر الذي أدى إلى عدم استقرار أمني وخلق حالة من التوتر للمواطنين الجنوبيين. الفريق سلفاكير تقلد مسؤولية الحكم بالجنوب عقب الانتخابات العامة، وأصبح رئيس حكومة الجنوب، والآن هو رئيس دولة من أولى مهامها إرساء حالة من الاستقرار والسلم والأمن واخماد أي نزاعات أو اشتباكات قبلية، والسيطرة التامة على النزاعات التي تنفجر بأي منطقة جغرافية، والفريق سلفاكير المنتخب كنظيره الرئيس البشير عليه أن ينظر للجنوب على أنه جزء من السودان الموحد تديره حكومة على علاقة جيدة مع الشمال. عموماً نقول إن الرئيس البشير كرجل دولة متمرس وتجربته في القيادة مشهود لها بالحكمة والعقلانية، رجل يدعو للسلام ويؤمن بالوحدة، ولا يرضى أن يفقد جزءاً من الوطن، فهو ذلك الرجل الذي حمل هموم السودان أكثر من عقدين من الزمان، فالرئيس البشير برحابة صدره وحنكته السياسية.. بارك خيار الجنوبيين وسوف لن يترك الجنوب وحده في مرحلة بناء دولته وسوف لا يدخر جهداً لتقديم المشورة والنصح والمساعدات مهما كلف الأمر، حتى تقف دولة الجنوب على أرجلها ليس هذا فحسب.. فهو كرجل دولة وينتمي للبزة العسكرية لا يمانع أن يحمل سلاحه ليحارب بجانب أخيه سلفاكير ضد أي عدوان خارجي أو تدخل أجنبي يتجرأ ويمس سيادة وأرض الجنوب.