ظل الرئيس البشير منذ أن اعتلى سدة الحكم كرئيس للسودان قبل ما يزيد عن عقدين متمسكاً بمعتقداته الثابتة وإيمانه بأن قوة السودان تكمن في وحدته وتماسكه.. ومهما اشتدت الخلافات بين حزبي الوطني والحركة كانت كلماته تخفيفاً لحدة التوتر ودعوةً إلى الوئام، وتأييداً للوحدة وبقاءًا للشمال والجنوب تحت مظلة السودان الموحد.. في أحلك الظروف التي مرَّ بها السودان منذ اتفاق نيفاشا و جنوح البعض إلى السجالات والتراشقات التي تأتي من هنا وهناك من منسوبي المؤتمر الوطني والحركة.. لا يخرج البشير عن المنطق والموضوعية كرجل دولة يحمل مواصفات القيادة الرشيدة والحكيمة. أما في الجانب الآخر نجد الفريق سلفاكير أثبت أنه قيادي من الطراز الأول يعرف كيف يدير دفة الحوار ويخرس بعض الألسنة التي تسيء إلى العلاقة بين شريكي الحكم.. وإن كان في بعض المواقف يظهر تعاطفاً مع بني جلدته إلا أنه في الكثير من الأحيان تتوافق أفكاره مع أخيه الرئيس البشير باعتبار أنه يشاركه المسؤولية في حكم السودان.. ومهما تعقدت الأمور ووصلت إلى سقف المقاطعة تنفرج الأزمة لتتوافق فيها الرؤى بين القيادتين ويعود الصفاء بين شريكي الحكم.. مع أن القوى السياسية الأخرى لا تريد ذلك وتسعى دائماً لإفساد العلاقة بين شريكي نيفاشا. ما يجمع البشير وسلفا الرابطة العسكرية فكلاهما يمتهنان العسكرية.. ومعروف أنها الضبط والربط والصرامة واتخاذ القرار المبني على التكتيك الميداني والمعلوماتي.. والقائدان ما زالا يقودان سفينة نيفاشا ويتجاوزان كل المحن والمطبات والمنحنيات بالرغم من العراقيل وحجرات العثرة التي يصنعها البعض في طريق نيفاشا.. الآن مضت خمسة أعوام على توقيع اتفاق نيفاشا شهد فيها السودان بشماله وجنوبه جملةً من التحديات والصعاب والمهددات، لكن سفينته وصلت مرسى الوطن وقابعة الآن على شاطي الأمان ولا خوف عليها. الآن المشهد السياسي يعكس توتراً وتشنجاتٍ حول استفتاء الجنوب ومسألة تقرير المصير.. الشمال أو بالأحرى حزب المؤتمر الوطني يرى أن الوحدة في مصلحة الجنوب قبل الشمال، وأن دعاة الانفصال من الشمال نبرتهم فاترة وغير مؤثرة.. لكن في الجانب الآخر فإن الأصوات العالية من سياسيّ الجنوب وقادته أصبحت طاغيةً في الأوساط الجنوبية.. وأن المواطن الجنوبي مرتبك ورؤيته غير محدودة فمرةً مع الوحدة وتارةً يتأثر بدعوات الأصوات النشاز داخل الحركة الشعبية التي بسطت نفوذها بالقوة. دعاة الانفصال من العناصر الجنوبية يخطأون كثيراً إذا ظنوا أن الانفصال سيكون في مصلحة الجنوب في هذا الوقت بالذات، خاصةً وأن الجنوب حتى الآن غير مهيأ لتكوين دولة تدخل المنظومة العالمية.. وهذا مرده إلى عدة أسباب منها مشاكل الجنوب القبلية التي تنفجر بين الحين والآخر وعجز حكومة الجنوب عن السيطرة عليها.. كذلك المناوشات الحدودية بين الجنوب ومجموعة الدول الأفريقية المجاورة له.. أيضاً فشلت السلطة في الجنوب عن تسوية الخلافات التي نشبت، فهنالك ازدياد مضطرد في عدد النازحين من دول الجوارلإيجاد فرص عمل لهم بالجنوب.. الأمر الذي سبب عدم استقرار أمني وخلق حالةً من التوتر للمواطنين. الفريق سلفا كير أدى اليمين الدستورية رئيساً لحكومة الجنوب أمام البرلمان الجنوبي قبل أيام.. والآن تجري المشاورات لاختيار حقيبته الوزارية، لذا من هنا تبدأ مرحلة جديدة للجنوب.. التي من صميم مسؤوليتها إرساء حالة من الاستقرار والسلم والأمن بالإقليم.. وإخماد أي نزاعات للحركات المسلحة والسيطرة التامة على الاختلافات المختلفة التي تنفجر في أي منطقة جغرافية.. والفريق سلفا الرئيس المنتخب كنظيره الرئيس البشير عليه أن ينظر للجنوب نظرةً كلية ويكوِّن حكومةً تتضمن قيادات وعناصر من كل القبائل والفعاليات السياسية بالجنوب، حتى لا يفاجأ بالتفلتات الأمنية التي تنشأ من جراء الغيرة السياسية والتركيز على قبيلة معينة. عموماً نقول أن الرئيس البشير كرجل دولة متمرس وتجربته في القيادة مشهود لها بالحكمة والعقلانية رجل يدعو للسلام ويؤمن بالوحدة ولا يرضى أن يفقد أي جزء من الوطن الذي حمل همومه طيلة عقدين من الزمان.. لكن إذا جاءت نتائج الاستفتاء غير ما نتوقعه جميعاً وانتصر تيار الانفصال، فالرئيس البشير برحابة صدره وحنكته السياسية لن يترك الجنوب وحده في مرحلة بناء دولته وسوف لا يدخر جهداً لتقديم المشورة والنصح والمساعدات أياً كان نوعها حتى تقف دولة الجنوب على أرجلها ليس فهذا فحسب.. فهو كرجل دولة وينتمي للبزة العسكرية لا يمانع أن يحمل سلاحه ليحارب بجانب أخيه سلفا كير ضد أي عدوان خارجي يتجرأ ويمس سيادة وأرض الجنوب.