أثارت قضية ختان الإناث (العنف ضد الأطفال) جدلاً ولغطاً كبيرين، ووردت فيها أقاويل عديدة ما بين أناس يعملون على محاربته بكافة أشكاله وآخرين يريدون تأصيله.. إننا أمام قضية في غاية الخطورة ولابد من التركيز عليها والعمل على طرح كافة الرؤى والأطروحات للحد من هذه الجريمة البشعة. أردنا من هذا التحقيق الجرئ وضع ختان الإناث على منضدة كل من يهمهم الأمر، فكانت آراء أهل العلم والاختصاص واضحة وجريئة أمام القارئ الحصيف ليرى بعد ذلك أي كفة راجحة.. فإلى مضابط التحقيق الجرئ والمثير. هناك فرق: ويقول دكتور تاج السر دوليب أستاذ بمدرسة علم النفس ورياض الأطفال بجامعة الأحفاد للبنات: إن الدراسات المقارنة التي أُجريت بالجامعة أوضحت أن هناك فرقاً بين الفتيات الطبيعيات والمختونات، حيث يوجد فرق واضح في السلوك بين المجموعتين موضحاً أن المجموعة الأولى الطبيعية «غير المختونات» كانت أكثر حركة وحيوية وتفتحاً وقدرة علي التعبير والتفكير، حيث تتسم تصرفات وأفعال المجموعة الثانية «المختونات» بالخجل وقلة الحركة والانكماش وعدم الثقة بالنفس. وقال دوليب: يجب أن لا يلتفت المؤمنون بمحاربة الخفاض لذلك القائل بان هناك حلاً وسطاً يتمثل في شكل مقبول من أشكال الخفاض.. فالخفاض هو الخفاض وإن الموس العمياء والدم النازف وقِطع الجسم المبتورة لا يمكن أن تحدد بكم أو وزن.. ذاكراً أن المنادين بأنصاف الحلول والتي يسمونها «سُنة» هم الذين كرَّسوا الممارسة لقرن من الزمان ومنهم المثقفون والذين تتوقع منهم قيادة المجتمع الأفضل، فإذا ما غفرنا لهم ضعفهم ودخولهم في زفة الجهل الجماعي آنذاك، فيجب أن تخفت أصواتهم اليوم وألا تستمر تتحدث همساً عن الخفاض،إذ ليس للخفاض شيء سوى الألم والأذى والأسى.. وتحدث عن المؤثرات الاجتماعية والنفسية المتعلقة بمناهضة ختان الإناث، موضحاً أن الخفاض لا يمكن أن يكون حامياً للعفة، مشيراً لتكسب بعض القابلات والطبيبات من هذه الممارسة الخادعة. مصدر دخل: اعترفت سلوى هارون أحمد قابلة قانونية ل(آخرلحظة) بأنها كانت تمارس هذه العادة الضارة بصحة الطفلة، وبعد معرفتنا بأضرارها وخطورتها البالغة على صحتها أعلنتُ توبتي بأداء فريضة العمرة وأداء القسم، بل أصبحتُ أقوم برفع الوعي وسط الأمهات والمجتماعات، مشيرة لوفاة عدد من الطفلات بسبب هذه الممارسة.. فيما أكدت عدد من القابلات على ممارسة هذه العادة الضارة بناءاً على رغبة وإصرار أسرة الطفلة، وبدلاً من الذهاب لأخريات ليس لديهن خبرة ومعرفة نضطر للقيام بذلك، كما أنها مصدر دخل للعديد رغم تعرض البعض للفصل ومصادرة شنطهن. بهذه المناطق: من داخل الجمعية الوطنية لمحاربة العادات الضارة بصحة الأم والطفل، قالت دكتورة آمنة عبدالرحمن رئيس الجمعية: إنها أول جمعية قامت بوضع إستراتيجية خمسية منذ العام 1993م وأخرى (2008 - 2020) وقيام مبادرة القابلات التوقيع على ميثاق القضاء على ختان الإناث والعادات الضارة، في إطار الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على ختان الإناث، موضحةً أن الجمعية تهدف لمحاربة العادات الضارة بصحة الأم والطفل، فعودة الأنشطة الواسعة التي قامت بها الجمعية في إطار الإستراتيجيات الرامية لمحاربة ختان الإناث، ذاكرة أن نسبة المحاربة في بعض الناطق بشرق السودان دار السلام، الوحدة، سلوم، المحطة القادسية «60%»، مبيناً أنها عملية وحشية لا تجيزها الأديان السماوية، بل من أفعال الجاهلية وانتهاك لحقوق المرأة الصحية والجنسية. 70% بولاية الخرطوم: أعلنت وزارة الصحة الولائية في العام «2010» عن ارتفاع معدل ممارسة ختان الإناث خلال الأعوام الماضية بنسبة «70% » بولاية الخرطوم إلى وسط كل «100» فناة تتم عملية ختان ل«70» طفلة وأن نسبة الممارسة لكل ولايات السودان 69% واعتبرت الوزارة هذه الزيادة سبباً رئيسياً في ارتفاع معدلات الوفيات وسط الأطفال والأمهات. 2مليون سنوياً: يقول دكتور سعد عبدالرحمن زميل الكلية الملكية لأمراض ونساء التوليد ماجستير النساء والتوليد جامعة الخرطومان: الاسم الحقيقي لختان الإناث (تشويه الأعضاء الجنسية للأنثى) ويمارس وسط الطفلات من بين أربعة إلى عشر سنوات، ذاكراً أن عدد النساء اللائي تشوهت أعضائهن التناسلية يقدر ب(130.000.000) والسودان من ضمن الدول التي تُمارس فيه هذه العادة بصورة كبيرة جداً وبأقسى وأبشع صورها، إضافة لثمانية وعشرين دولة أفريقية. موضحاً أن عدد النساء اللائي تم تشويه أعضاءهن الجنسية يقدر ب«2» مليون في السنة أي بنسبة «6000» حالة يومياً، والسودان جغرافياً وثقافياً يجاور 10 دول أفريقية كلها تمارس هذه العادة الذميمة، مشيراً لتشويه 9 مليون فتاة. 800 حالة يومياً: وقال د. سعد تمارس في السودان في الشمال المسلم ذي الأصول العربية والنوبية، ولا يمارس في قبائل الجنوب وجبال النوبة والفور والرشايدة، ولا حتى القبائل الأفريقية الوافدة كالهوسا والفلاتة والبرنو.. موضحاً أن نسبة الممارسة في شمال السودان 89% مشيراً لبدء ممارسة هذه العادة وسط القبائل النازحة للشمال.. وكشف سعد عن تشويه «300» ألف قناة سنوياً في السودان إلى «800» حالة يومياً بمقدار «30» حالة كل ساعة، وعادةً ما تمارس بواسطة القابلات القانونيات وغير القانونيات واللائي يسكن مع الأهالي، وأشار لصدور قانون في العام 1946 لمنع ممارسة هذه العادة إلا أنه لم يفعل مشيراً لعدم ممارسته في السعودية وكل الدولة الإسلامية الأخرى.. وقد بدأت الحملات منذ زمن طويل ذاكراً أن العمل بدأ بمؤتمر في السبعينات بجمعية تنظيم الأسرة في العام 1975 وجمعية اختصاص النساء والتوليد في العام 77 وبعدها الجمعيات التوعوية.. وأضاف قائلاً عندما ننظر لختان الإناث ننظر إليه من نواح مختلفة كمشكلة خاصة بالصحة العامة وكسبب لعدد من المضاعفات الطبية ومن ناحية أخلاقية بصحة الإنسان وإهدارها لحقوق الطفل والإنسان وإهانة لكرامة المرأة (التميز ضد الجنس) ومن الناحية القانونية. هناك مضاعفات: وكشف د. سعد المضاعفات المتعلقة بالطفلة الصغيرة، النفسية والجسدية الناتجة عن هذه الممارسة، موضحاً بأنها لم تدرس بعد بصورة كافية إلا أن المضاعفات المحتملة فهي (متلازمة) إجهاد وما بعدالاصابة كالقلق وعدم المقدرة على النوم والانتباه وتغير في السلوك، والخوف من العملية نفسها والألم يؤثر على الطفلة ونموها. عفة المرأة: قال إن الذين يطالبون بالختان بحجة حفظ عفة المرأة وليس لها أساس. ولإقتلاع هذه العادة من جذورها يجب تكوين منظمة أو جمعية تشمل القومية السودانية فيها سياسيون ورجال دين وأطباء وأعضاء المجتمع الأخرين، وتفعيل القانون المسن لسنة 1946 مع تعديله ليكون أقوى والاستفادة من الخبرات السابقة والتعلم من الخطأ وتنظيم برامج توعية لكافة المجتمع عبر الوسائل المختلفة «مسرح، أغاني، ملصقات ندوات وغيرها». والاستماع والاستفادة من تجارب نساء خضعن لهذه الممارسة ومشاركة الدولة والمنظمات الطوعية في مكافحة هذه العادة ورجال الدين بشرح هذه العادة وليس لنا ما يبررها دينياً. وسط 1109 طالباً: وتوكد جمعية بابكر بدري النسوية ل(آخرلحظة) عن دورها الكبير والفاعل في رفع الوعي بمخاطر هذه الممارسة من خلال إصدارها لكتاب، والعمل بالمدارس الطرفية لطلاب مرحلتي الأساس والثانوية، مشيرة لرفع الوعي وسط 1109 طالباً بمرحلة الأساس إلى جانب إدماجهم في حملة مناهضة ختان الإناث من خلال الكثير من الأنشطة والبرامج المختلفة. ü توتي خالية من ختان الإناث: انطلقت المبادرة منذ العام 2005 من داخل الجمعية التي كانت تقوم برفع التوعية بخطورة هذه الممارسة الضارة بمدارس الأساس ورياض الأطفال وعبر تنظيم صديقات المدارس ومجال الأمهات برياض الأطفال مشيرة لتقديم طفلات روضة توتي البالغ عددهن 28 طفلة لأوبريت العام 2006 يدعو لمحاربة ختان الإناث وصعود الأمهات على خشبة المسرح وتقديمهمن لوثيقة بالتخلي عن هذه الممارسة.. وكان ذلك بحضور الشبكة السودانية لمكافحة ختان الإناث والبرنامج القومي لكافحة الختان. وتؤكد إقبال ل(آخرلحظة) على تواصل العمل واستمرارية التوعية للأمهات بمدارس الأساس في العام 2007 إلى جانب تكريم الطفلات اللائي لم يتعرضن للختان في كرنفال حاشد بمشاركة كل سكان المنطقة، مضيفة أن حملة «السليمة» امتداد للمهرجان الذي درجت الاحتفال به توتي سنوياً للتخلي عن الممارسة، مشيرة للشراكة ما بين مبادرة توتي ومركز سيما لتنمية قدرات المرأة والطفل بجانب تكوين شراكات مع 43 من الشركاء التي ضمت جهات رسمية ووطنية ومنظمات المجتمع المدني الاطباء والناشطين والأندية الرياضية والمدارس وغيرها ودخولهم في المجتمع عبر هذه المبادرة والشركات، وقد حققت نجاحاً منقطع النظير بالتخلي نهائياً عن ممارسة ختان الإناث. حبوبات لحماية البنات تواصل إقبال: بداية عن الدور الكبير الذي لعبته الحبوبات بمنطقة توتي بعد أن كن ضد هذه الفكرة أصبحن من الداعيات للتخلي عنها لخطورتها الكبيرة، ومشاركتهن عبر الجلسات الحوارية المتكاملة مع رجال الدين وقد كانت لهن بصماتهن الواضحة، مشيرة لتكريم 18 حبوية تحت شعار (حبوبات لحماية البنات)، وكذلك تكريم الطفلات السليمات سنوياً والأمهات. وكشفت عن توقيع أبناء توتي على القسم الذي نص على التخلي عن هذه الممارسة الذي كان دعا إليه الجد الأساس لأبناء المنطقة وأول شيخ في السودان دعا للتخلي عن ختان الإناث (الشيخ حمد ود المريوم). سفراء السليمة: قالت أميرة إن حملة «العشرة في عشرة» التي دفعها المجلس مؤخراً مع اليونسيف تحتوي على مشاركة عشرة من الشخصيات البارزة في المجتمع والذين التزموا بحماية بناتهم سليمات وتعهدهم بالظهور في المجتمع بألوان «سليمة» الزاهية عشر مرات خلال العام الماضي، وذلك لعشرة أسباب تنحصر في صحة وسعادة أطفالنا والأجيال القادمة ودور الآباء هو حماية بناتهم وليست تدميرهن. وقد سميت الحملة بسفراء حملة السليمة، مشيرة لحديث الشيخ محمد أحمد حسن بترك الختان سداً للذرائع خاصة وأن حديث الأطباء أكد مدى خطورة هذه الممارسة، وأوضحت فتاوي دينية لعدد من العلماء أن حديث «لاتنهكي» حديث ضعيف ورواية مجهولة.. يقول الشيخ عبدالجليل النذير الكاروري في كتابة (السنة ختن البنين وعفو البنات) استناداً لأصول الدين وعلوم الطب وشؤون الاجتماع وعن المعالجة القانونية قال الكاروري: لا أدعو لسن قانون يحظر ختان الإناث، فقد صدر القانون منذ ميلادي فلم يعمل به، بينما زالت الشلوخ بالعمل الاجتماعي، موضحاً أن المطلوب المزيد من الوعي ولا باس من إجراءات زاجرة وحوافز. وقال مولانا محمد هاشم الحكيم لو كانت سنة لأمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم وحض على ممارستها، كما لم تثبت النصوص التي تدل على حض رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.. فيما أوضحت فتوى الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حول ختان الإناث إن ختان الإناث أو خفاضهن. وأكد أن الطريقة التي يجري بها الآن أمر غير مأذون به، بل محظور شرعاً ودخوله في (تغيير خلق الله) الذي هو من عمل الشيطان وليس هناك إذن من الله به. يجب إعادة النظر: فيما طالبت وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي الأستاذة أميرة الفاضل هيئة علماء السودان ومجمع الفقه الإسلامي بإعادة النظر في موقفهم تجاه قضية ختان الإناث، الذي تضررت منه الطفلة السودانية بالحوار والنقاش، مشيرة للحركة الدؤوبة بين المجلس القومي لرعاية الطفولة وهيئة علماء السودان لتنسيق الجهود في إطار التوعية الدينية وإدارة الحوار مرة ثانية بعد وصوله في السابق لمنطقة (مقفولة) فيما يختص بالجانب القانوني المتعلق بالجانب الشرعي، وأكدت الوزيرة الوصول إلى حل بفتح الحوار مرة ثانية في القضية من جوانبها الفقهية لما في الفقه من السعة لاستيعاب آرائنا التي نتبناها، خاصة وقد ثبتت أضراره من قبل الأطباء واختصاصي أمراض النساء والتوليد في المجال الصحي.