قالها الرجل في خطابه الأول والثاني وكأنما لسان حاله يقول: أرى الموت بين السيف والنطع كامنا.. يلاحظني من حيث لا أتلفت وأكثر ظني أنك قاتلي.. وأي أمري مما قضى الله يفلت وما جزعي من أن أموت وأنني.. لا علم أن الموت شيء مؤقت وليته قال يا شعب مصر العظيم ويا أخواننا المسلمين جبر الله بكم صدع الدين، ورفع بكم شعث المسلمين، ولا رماكم الله بشهاب الباطل، وأنار الله بكم سبيل الحق فإن ذنوبي تخرس الألسن وتصدئ الأفئدة، وأقسم بالذي رفع السماء بغير عمد عظمت جرائمي، وانقطعت حجتي، وساء ظني، ولذا أرجوكم أعطوني فرصة، ولو فعلتم سوف أحول لكم كل بنوك مصر للثلاجات أجمد فيها الأرصدة، وسوف أحرق لكم كل الأحزاب بما فيهم الحزب الحاكم، لأنها من ورق، وسوف أكوِّن منكم جمهورية أخرى، وسوف يكون هناك حزب واحد هو حزبكم، وسوف أترك لكم الخيار في تسميته.. وسوف أقوم وبنفسي بجلد الجلاد، وسوف أجعل مليون ونصف (أمنجي/ بلطجي/ سري وعلني) عاطلين، وسوف أغضب لكم الغرب وإسرائيل كمان، وسوف أزيل الحاجز الفولاذي مع غزة ماهم عرب مثلنا، وسوف أعيد حفر الانفاق، وسوف أهدم معبر رفح، ولو دعا الداعي ورأيتم ذلك مناسباً، سوف أكون حمساوياً أعطوني فرصة حتى أصنع وحدة بين شطري السودان، ألا تعلمون أنني قد وضعت مشرطي الإسرائيلي الصنع على أرض عزة والخليل ومنقو، ورأيتم كيف صاروا، أما ترون أني قد حاولت جدع أنفة وأنفت غزة فرأيتم كيف تململ العرب.. أقول لكم يا شباب مصر العظيم كما قال الشاعر/تميم/. (إن عشت عاشو سالمين بغبطة.. أذود الردى عنهم وإن مت موتوا) أما ترون أنني لم أرو ظمئي بعد من الدماء التي تعتبرونها كثيرة بالجنوب، أما ترون يا شباب مصر كيف أسعى وأعمل جاهداً من أجلكم، ألم تشاهدوا أنني قد قاتلت من أجلكم في اكتوبر، ألم تسمعوا أنني قد تعرضت لعملية اغتيال بالحبشة، أعطوني فرصة لأن لعنة غزة تلاحقني، أعطوني فرصة لأصلح أرض الكنانة، لأن تبريكات أهل الغرب وإسرائيل وأعوانهما لا تسعفني لا تصفقوا ولا ترقصوا ولا تبكوا ولا تنزفوا، بل ولا تصلوا ولا تحمدوا ولا تنازلوا الشيطان.. ويا شباب العزة ويا شباب الكنانة نهنئكم نحن فقد ذكرتونا ونحن قد نسينا، وقد عرفتم شباب العرب معنى التضحية، ومعنى الوطنية الصادقة ومعنى العيد، فقد ذقنا معكم حلاوة النصر، بعد أن سهرنا الليالي، ننظر القنوات في بلاهة، وفي حيرة، وفي دهشة، مصدقين وغير مصدقين، رغم أننا نسمع ونرى (صورة وصوت)، بل نكاد نلمسها بكلتا يدينا، ومن منا لم يمنِ نفسه بأن يكون في قلب ميدان التحرير الذي كان منه التحرر والانعتاق والحرية، وستكون منه الديمقراطية بإذن الله، ونقولها للأخوة الشباب ونحن أهل خبرة حديثة بالانتفاضة، فقد كانت لنا انتفاضة على ديكتاتورية كنا نظن التاريخ لا يلد مثلها، ولكن ما عايشناه معكم جعلنا نقول إن الحالة مماثلة، ولذا يجب أن تعضوا بالنواجذ على هذه الانجازات، ويجب ألاَّ تتركوها تسرق منكم كما سرقت منا، ويبدو أن السيناريو قد بدأ كما بدأ في عهدنا، فقد تمخضت الانتفاضة لتكوين حكومة انتقالية برئاسة مشير محايد، ومنحاز للشعب، وقد تكونت حكومة ثوار، وقد تم فتح سلسلة من البلاغات متعلقة بأمن الدولة والتعذيب والارهاب والجبروت، وقليل من الفساد المالي، وانتظمت المحاكم وشهدنا أحكاماً بالسجن تعدت المائة عام، وشهدنا وشهدنا وقد أوفت الحكومة الانتقالية بوعدها وسلمت البلد للأحزاب (حكومة مدنية)، شهدنا أضعف حكومة مرت على الوطن منذ الاستقلال، وأصبحت البلد كما يحلو للبعض تسميتها (جنازة بحر)، والخوف كل الخوف أن تمروا بهذا الشريط، ونحن كأهل تجربة وكأشقاء وأصدقاء نقول لكم عضوا بالنواجذ على ثورتكم، ويجب ألاَّ تنقطع المسيرات المليونية، وإن جاز لي أن أقترح أن تكون في الفترة الأولى في كل يوم جمعة، ويجب ألاَّ تنقطع المطالبات بهذه المسيرات، وهذه المسيرات تعتبر الرقابة الشعبية الحقيقية، وتعتبر السيف المسلط على رقاب كل من تخول له نفسه العبث بمكتسباتكم، ولو فعلتم مثل هذا في اعتقادي يكن منكم الافتخار بأنكم مصريون، ولعادت لأرض الكنانة تسميتها أم الدنيا، ولأصبحت قبلة العرب والعجم، يحجون إليها في صمت مبروك.. ألف مبروك (من 40 إلى 70 مليار مبروك).