السبت التاسع من شهر يوليو 2011م يوم انسلاخ جنوب السودان من شماله، مكوناً دولته الجديدة والفريدة في نوعها، وسوف نقول لهم ألف ألف مبروك ونتمني من الله سبحانه وتعالى النجاح الباهر لهذه الدولة الجديدة، لقد هاجمنا وبكل أمانة قيام تلك الدولة منذ بداية الاستفتاء، ولكن عندما صار ذلك الاستفتاء حقيقة تنبع من نهر الديمقراطية آمنا به وأيدناه، وبكل صراحة سوف نقف مع هذه الدولة ونؤيدها ونشد من أزرها، لأنها منا والينا، على الرغم من أن البعض غير مصدق انفصال الجنوب عن الشمال، وعلى الرغم من أننا غير مؤيدين لهذا الانفصال، ولا يفوتني أن أنسى تعليق السيد أسياسي أفورقي رئيس جمهورية أريتريا الذي قال بملء فيه.. لا استطيع أن أصدق أن جنوب السودان قد انفصل من شماله. لقد عانى شمال السودان كثيراً من دولة جنوب السودان، بل أن الذين سقطوا موتى وجرحى ومفقودين، وهم من أعز ما لدينا من أبناء، سواء أن كانوا شماليين أو جنوبيين، كما عانى السودان كثيراً في اقناع الحركات المسلحة لجنوب السودان للعيش في سلام وأمن.. ولكن تلك الحركات تمادت وكبرت وصارت كل حركة تحكم نفسها بمقدار ما تملكه من الجنود والآليات والعتاد، ولم يأتِ ذلك عبثاً بل أتي من الدول الاستعمارية التي كانت تنظر الى السودان كلقمة سائغة ومباحة يمكن تقسيمه كما تريد. هذا هو قضاء الله يجب أن يتم، ولكن دولة جنوب السودان لا معنى باننا نفرح لفراقها، بل نعنى باننا نؤمن بالقضاء والقدر. تعتبر مساحة (جنوب السودان) ربع السودان تقريباً الذي يساوي مليون ميل مربع، أما سكانه فهم حوالي السبعة ملايين من اسلاميين ومسيحيين ولا دينيين. ومن هذا المنطلق يجب أن ندعم دولة جنوب السودان بكل قوة، ومع احترامنا لجميع الأحزاب والمنظمات والهيئات والأفراد من الجماهير التي تحمل رأياً آخر، نقول لهم إن راي الانفصال قد تم وانتهى، والمطلوب الآن احترام الديمقراطية بكل ما لديها من مسببات، لذلك يجب أن تبدأ بتكامل إقتصادي واجتماعي قوي بين شمال وجنوب السودان، يفوق ذلك التكامل الذي بيننا وبين مصر وأريتريا وأثيوبيا وتشاد وافريقيا الوسطى.. ويجب أن يظل جنوب السودان جزءاً لا يتجزأ منا من الناحية الإجتماعية والإقتصادية والثقافية، أما من الناحية السياسية فلكل حادث حديث. لقد ظلت أيها الإخوة معظم الدول في العالم في صراع طويل بين الوحدة والإنفصال، حتى تمكنت في النهاية من الوحدة، وإليكم دول أوربا كأقرب مثال التي شهدت الحربين العالميتين الأولى والثانية وفقدت ملايين البشر في ذلك. لا أريد أن أتحدث إلا عن وحدة متكاملة تضم دول القرن الإفريقي، ومعها مصر وتشاد وإفريقيا الوسطى، ولا أستبعد أبداً أن تكون هذه الوحدة حقيقية كما هي في أوروبا، كما أنني لا أريد أمني نفسي برجوع جنوب السودان إلى شمال السودان، لأن ذلك الأمر قد انتهى ويجب أن ننظر إلى الأمام، كما يجب أن تعمل كل دولة لبناء نفسها بنفسها، وتترك الأمنيات.. لذلك فالبدء في التكامل الإقتصادي والإجتماعي والسياسي بين تلك الدول هو من أهم المواقف التي يجب أن نبدأ بها الآن، ونترك عملية إرجاع جنوب السودان إلى حظيرة شمال السودان، ولكم المثال في أوروبا التي لديها الآن وحدة سياسية واقتصادية واجتماعي، بل عندما تكون في أي بلد أوروبي كأنما كنت في جميع الدول العربية ولك حق التجوال كما شئت. أيها الإخوة الجنوبيين هنالك مصلحة كبيرة جداً بيينا لا تقدر بثمن، ولدينا أطول حدود قائمة بين دولتين، ولدينا أكبر تمازج وتداخل وتجانس بين القبائل يقدر بحوالي 60% من سكان السودان، ولدينا اللغات والعلاقات الحميمة بين السكان التي تصل إلى حد التزاوج.....الخ إلخ. من هنا لن أتحدث عن وضعنا الإقتصادي المشترك ووضعنا الإجتماعي المشترك، ووضعنا الثقافي المشترك، بل أطلب منكم النظر بموضوعية حقيقية لتكون دولتا شمال وجنوب السودان في أمن وأمان.