وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ساقية جحا لا أحد يسأل من أين لك هذا!!
نشر في آخر لحظة يوم 26 - 02 - 2011

مع بداية كل عام يقف المراجع العام أمام البرلمان ليتلو تقريره السنوي عن الأداء المالي للمؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع المصرفي.. وفي كل مرة يفصل مواقع الخلل ويكشف حجم التعدي ويذكر المؤسسات التي ترفض أو تتجاهل الرد على تقاريره ويطالب البرلمان بمحاسبة وملاحقة المتعدي وإعادة المال وتكوين آلية لمكافحة الفساد وبعدها يخيم الصمت على القضية، هذا المشهد يتكرر كل عام تقريباً مما يفتح الباب على مصراعيه أمام عدد من التساؤلات.. كم يبلغ حجم المال المعتدى عليه سنوياً؟.. وماهية الجهات المعنية بوقف التعدي على المال العام.. أم أن تقرير المراجع العام لا يستحق الوقوف عنده.. وهل بعض المؤسسات الحكومية أكبر من أن تقف أمام القانون أم أن الفساد استشرى في جسد المؤسسات الحكومية استشراء السرطان في الجسد.. وما هو الأثر الاقتصادي المترتب على هذا التعدي على الدولة سنوياً وتراكمياً؟ بما أن الفساد هو نتيجة حتمية لتزايد وتكرار التعدي على المال العام.. فهل تكوين مفوضية أو آلية لمكافحة الفساد هو الحل أم تفعيل المؤسسات المختصة في هذا المجال أفضل؟.. وما هو الضمان ألاّ تحتاج مفوضية مكافحة الفساد إلى مفوضية أخرى لمكافحتها؟
ما جاء على صفحات الصحف أن البرلمان أقر أن نسبة التصرف دون وجه حق في المال العام بلغت 84% من جملة المبالغ المعتدى عيها، وقال إنها جريمة تختلف عن خيانة الأمانة والتزوير وتحتاج إلى تحديد اسم لها في جرائم المال العام.. وإن وزارات تجاهلت الرد على تقارير المراجع العام بجانب 3 وحدات لم تقدم بعض الأرانيك للمراجعة.. و15 فشلت في تحقيق الربط.. و11 تتأخر في التوريد.. وكشف بأن 15 وحدة تقوم بتجنيب إيراداتها أبرزها العدل والدفاع والتجارة ووكالة سونا.. وانتقد التقرير إغفال المراجع عن ذكر تفاصيل مبيعات ومشتريات الدولة باعتبارها تمثل نسبة كبيرة من المال العام، وعدم تفاصيله لمصادر العملة المحلية وتحديد الوزارات التي تشتري بالدين ولا تتمكن من السداد.. وفي ذات السياق كشف التقرير عن تجاوزات في ديوان الزكاة في المصارف الشرعية الموحدة، حيث تجاوز الصرف مبلغ 38.887.591 جنيهاً من الاعتماد المصرفي، بجانب انخفاض نسبة التوزيع لمصرف الفقراء والمساكين وتقديم دعم شهري لبعض المنظمات والمخيمات دون التقيد برفع التقارير، فضلاً عن الصرف بموجب فواتير مبدئية وعدم وجود فواتير نهائية وقيام الديوان بعمل عقود لشراء معدات زراعية لبعض الولايات، حيث لا يبين استلام قيمة العقود للمخازن وعدم ما يفيد باستلام الولايات، وطالب التقرير بضرورة إيراد تفاصيل الإيرادات الخاصة بالصندوق القومي بولاية الخرطوم ضمن الإيرادات العامة، وأعلن عن أسماء الشركات والوحدات المتهربة والبالغ عددها 35 مؤسسة.
ولملاحقة المعتدين على المال العام كونت وزارة الداخلية داخل الإدارة العامة للمباحث الجنائية دائرة مختصة بمكافحة الفساد، حيث قال مديرها العميد عبد المنعم مكي إن التعدي على المال العام يتمثل في خيانة الأمانة من قبل الموظفين والاختلاسات والامتلاك الجنائي والشيكات المرتدة التي تحرر من جهات حكومية، والصكوك.. وهو حسب لائحة الأموال المحاسبية والامتلاك الجنائي هو لا سرقة ولا خيانة أمانة، بل هو الحصول على الشيء بطريقة مشروعة ولكن بغرض إرجاعه ويسوء استخدامه مثال امتلاك العربات الحكومية وقد تم إنشاء إدارة متخصصة بها قوة مختصة للاختلاسات، وهناك نيابة مختصة عملت في كل البلاغات، بالإضافة إلى التقارير التي رفعت من المراجع العام لتقوم بمواصلة التحريات وملاحقتهم وتقديمهم للمحاكمة، وقد ساعدت الإدارة في كشف كثير من البلاغات.. وقال عبدالمنعم إن هذه الإدارة تعمل الآن في الخرطوم وإن هناك جهوداً للعمل في باقي الولايات، وأكثر الجرائم في الخرطوم باعتبارها العاصمة وبها الحراك التجاري والثقل الحكومي، وهذا لا يمنع أن هناك بلاغات تأتي من الولايات وقد وضعت الإدارة خطة محكمة لمحاربة الفساد الوظيفي بكل أشكاله وقد وفرت المعينات والقوة العاملة وتم تدريبها وتخصصت في معالجتها، بالإضافة إلى الانتشار داخل محليات ولاية الخرطوم وحتى الآن فقد حدت من ظاهرة التعدي على المال العام ونسعى لبذل كثير من الجهود بالانتشار الأكثر والتدريب.. ونلاحظ من التقارير أن التعدي على المال العام انخفض في العام السابق عن الذي يليه بنسبة 5%، حيث بلغت جملة التعديات على المال العام في 2010 (372) بلاغاً، منها 37 بلاغ خيانة أمانة، و206 بلاغ شيكات، وجرائم أخرى 65 بلاغاً.. وقد أحيل جزء إلى المحكمة وجزء أمام النيابة وجزء حفظ وآخر تحت التحري، أما في العام 2009 فقد بلغ عدد البلاغات 392 بلاغاً، منها 214 بلاغاً خيانة أمانة، و6 بلاغات شيكات، وجرائم أخرى 88 بلاغاً.. وفي العام 2008 كانت جملة البلاغات 310 بلاغاً.. وفي العام 2007 كانت 173 بلاغاً.. ونلاحظ أن هناك ارتفاعاً في عدد البلاغات في العام 2008 عن العام 2007 بنسبة 79% .
أما جريمة التصرف بغير وجه في حق تدخل إما في خيانة الأمانة أو الاختلاسات.. وسوء الاستخدام هو المال الذي يتصرف فيه الموظف في غير الغرض الأساسي الذي حدد من أجله، ويدخل في الفساد الوظيفي لأنه لا هو اختلاس ولا خيانة أمانة.
ولمعرفة الرأي القانوني حيال مرتكبي جرائم المال العام وما هي التهمة التي توجه لهم قال الأستاذ المحامي محمود عمر الدقير لا يوجد اختلاف بين الاختلاس وخيانة الأمانة، حيث لم ينص القانون السوداني على جريمة الاختلاس ولكن نص على خيانة الأمانة وهي كل ما يقوم به الموظف في عمله بتزوير أو تحريف أو تحويل يكون مؤتمناً عليه ويقوم بسوء قصد بتبديد المال أو امتلاكه أو تحويله لمنفعة له أو لغيره أو أي وجهة من أوجه التصرف بنص المادة 177 من القانون الجنائي لسنة 1991م.
يخالف مقتضى الأمانة ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سبع سنوات، كما تجوز معاقبته بالغرامة وإذا كان الجاني موظفاً عاماً أو مستخدماً لدى أي شخص أؤتمن على المال بتلك الصفة، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز أربع عشرة سنة مع الغرامة أو الإعدام.
وقد عرف الأستاذ بارود صندل المحامي.. المال العام بأنه أي مال من حيث الجباية لمصلحة، والمال المتحصل عليه من أي مشاريع استثمارية حكومية من الجمارك أو الضرائب وكل العائد وكل الأموال المودعة لدى البنوك هو مال عام.. وأي شركة للحكومة فيها نصيب هو مال عام.
أي إنسان مؤتمن على هذا المال بحكم وظيفته إما أن يكون هذا المال في حيازته بحكم وظيفته أو هو مسؤول عن إدارة هذا المال، وهناك فرق بين الاثنين، فالأول يقدم بسوء قصد بجهله هذا المال أو يقول إنه لم يستلمه أو يحول هذا المال لمصلحته الشخصية أو تبديده أو التصرف فيه بإهمال فاحش يخالف مقتضى الأمانة، وهنا أقصى عقوبة في خيانة الأمانة إذا كان موظفاً السجن 14 عاماً، الغرامة أو الإعدام.. لأنه حين يرتكب هذه الجريمة يفعل أفعالاً مساعدة مثل التزوير أو يقوم بوسائل الاحتيال بأن يقدم تقارير غير حقيقية، وعادة ما يكون الاختلاس لمؤتمن المال بصورة مباشرة وهو المحاسب.. وهناك قانون مهم جداً لا يذكر كثيراً، وهو قانون الإجراءات المالية والمحاسبية، وهذا القانون يضع أسساً للتعامل بالمال العام على كل مستويات الدولة، أي مؤسسة في الدولة منشأة بموجب قانون، فهذا يدخل ضمن أجهزتها وقد حدد القانون الموازنة العامة القومية وعائد الشركات والمنح والإيرادات الضريبية.. حتى التبرعات التي تجمع من عامة الناس بحاجة محددة تدخل ضمن المال العام وقد تحدث القانون عن جرائم المال وحدد العقوبات لتبديد المال العام.
أما بالنسبة للصرف على غير الأوجه المحددة للصرف، فمجرد تغيرها من بند إلى بند، فهذا جريمة والصرف غير المعقول هو جريمة، مثلاً مخصصات الوزراء والمديرين، فلا يعقل أن يكون لمدير مصلحة ثلاث عربات، وهناك الصرف بإهمال والتأخير غير المبرر لخزائن الدولة، فمجرد التأخر هذا جريمة وإتلاف المستندات ذات القيمة تدخل ضمن التزوير وأي حديث عن أن أوجه الصرف لا تحكمها قوانين غير صحيح، لأن القانون موجود والمؤسسات التي ترفض أن تسمح للمراجع العام أن يراجعها هذه جريمة بغض النظر عن أن هناك اختلاسات أو لا توجد، وهناك قانون من أين لك هذا يكون في محاسبة الموظف العادي أو المدير أو المسؤول الذي لا يمضي في الوظيفة مدة طويلة وينشيء أملاكاً باسمه أو باسم أسرته يمكن أن تجرى له محاسبة، والقانون غير عاجز ومن المفترض أن تكون هناك متابعة دقيقة للموظف لحصر أملاكه قبل وبعد تقلد المنصب.
ولكن الفساد المالي في السودان وصل مرحلة تحدى فيها أجهزة الدولة والرقابة والقانون، ولايستطيع أحد أن يواجه هذا الفساد.. وتساءل ألا توجد إدارة أجهزة سياسية تحارب هذا الفساد؟.. وقال إن أجهزة الرقابة معطلة وإن معظم المسؤولين في البلاد هم الضالعون في هذا الفساد، فبمجرد نظرة لأملاكهم تجد أن هناك قصورا فخمة وهم عاملون في الحكومة وبالتالي لا توجد عيوب في القانون لكن العيب فيمن ينفذ القانون، والحل أن تكون هناك إدارة سياسية واضحة لمحاربة الفساد وجهة رقابية ذات إمكانات لمحاربة الفساد، ولكن الأهم أن تكون هناك قدوة حسنة تبدأ من الرئيس والوزراء ومديري المصالح، وقد حدد الأستاذ بارود دور القضاء في أنه جالس لا يبحث عن القضايا إنما تأتي القضايا إلى قاعاته ويحكم فقط.
وأكد أن دور المراجع العام مهم جداً في الرقابة، والأهم من ذلك أجهزة الرقابة الداخلية في أي مصلحة.. وقال إن وزارة العدل يوجد بها جهاز إقرار الذمة وهو محتاج لأن يكون قوياً وعنده إمكانات وهو غير مفعل وليس له أي وجود أو تأثير ولا يقدم تقارير، ونجد أن المراجع العام يقدم تقاريره ويحدد مواضع الخلل، وهذه جرائم جاهزة والسؤال الذي يطرح نفسه: هذه المعلومات لماذا لا تؤخذ إلى النيابة فمن سلطات المراجع العام أن يدفع للنيابة المختصة ونجد أن المجلس الوطني يوجه كل عام ويضع أسساً ومعايير ولكن لا ينفذها، وقال إن القضايا التي تصل إلى المحاكم (هايفة) ويكون الجاني فيها صغار الموظفين ولا يوجد مدير أو وزير أو وكيل وزارة قدم للمحاكمة، فهل هذا يعني أن هؤلاء كلهم نظيفون.. فما يأتي إلى المحاكم من اختلاسات بسيطة ولا يكون لها أي تأثير على مكافحة الفساد.. وفي رده على أنه طالما الفساد من المسؤولين هل تعتبر أن مؤسسات الدولة (سفيهة).. قال لا.. لأن السفه يكون صاحب المال عنده خلل في التقييم ويتصرف في المسألة بعشوائية، ولكن هنا الحاصل غير هذا، لأن ما يحدث في مؤسسات الدولة فساد منظم لنهب أموال الشعب وأجهزة الرقابة مكبلة لا تستطيع التحرك، لأن هذا الفساد يجد نوعاً من الحماية في الأجهزة السيادية ونجد أنه في عام 2009 عندما قدم المراجع العام تقريره وطالب البرلمان بتكوين آلية لمكافحة الفساد.. قال وزير العدل حينها إن حجم المال المختلس بسيط لدرجة أنه لا يحتاج إلى تكوين لجان أو مفوضية لذلك، أما وزير المالية قال إن حجم المال المدعى سرقته ضئيل جداً بالمقارنة مع حجم المال المدار في الدولة. وما نراه اليوم أن هناك سماسرة متخصصين في الاختلاسات، لأن العائد ضخم جداً وليس هناك من يحاسب أحداً.. وكل المطلوب هو تجهيز الناس والتجمهر الكبير، ففي افتتاح الدورة المحلية أنفقت ثلاثة مليارات فقط وفي افتتاح كوبري ملياران، ولكن اليوم إذا طلبت أي جهة لدعم التعليم أو الصحة، مبلغاً تلكأت الدولة في توفير هذا المال.. وأنا كمراقب أرى أن الفساد هو أكبر معوق للتنمية في هذه البلاد، فهو أخطر من الحروب والتدخلات الخارجية والحكومة القائمة وبطبيعة الحال لا تستطيع مواجهة الفساد المستشري في أوساط الدولة وفاقد الشيء لا يعطيه.
وبما أن التعدي على المال العام المتكرر بصورة ثابتة تقريباً، يعتبر فساداً، فهو بالتأكيد يؤثر تأثيراً سالباً على الاقتصاد الوطني، ولمعرفة أسباب التعدي على المال العام والأثر الاقتصادي المترتب على هذا التعدي على الدولة سنوياً وتراكمياً طرحنا السؤال على الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق دكتور عبد الله حسن أحمد الذي قال إن السبب وراء تزايد الاعتداء على المال العام هو أنه في كل مرة المراجع العام يكتشف مواضع الخلل ولكن لا تجد هذه المخالفات متابعة إجراءات وإدانة من ثبت اعتداؤه على المال العام، وبالتالي يشعر المفسدون الآخرون أنهم يختلسون لأن وراءهم ظهوراً تحميهم، لكن المراجع ملزم بتنفيذ القرارات فلابد من إنفاذ القرارات والتحقيق مع مرتكبي الجرائم، وأوضح أن عدم أخذ قرار المراجع العام بالجدية ووجود أشخاص مسنودين من جهات أخرى تعرقل وتمنع مثل هذه المحاكمات يمكن الإفلات وبالتالي كل عام يكتشف تجاوزات في هذه الميزانيات ولا يوجه فيها الاتهام للجهات المسببة، وهذا هو السبب الذي جعل الفساد يتفاقم ويجد حماية من جهات نافذة.. والعلاج في أن الجهات الرقابية مثل المجلس الوطني يراقب ويتابع ما يحدث، ولكن المجلس في كل عام يغض عينه عما حصل في العام الماضي وتكرر الحكاية (ساقية جحا) وأكد أن الأثر الاقتصادي على هذه الجرائم هو تدمير الموارد والاختلاس بالإضافة إلى أن هذا الصرف من غير وجه حق ويذهب إلى جهات ما كان يجب أن يصرف فيها، وتحرم جهات كان يمكن أن يصرف فيها وبالتالي لا تنفذ المشروعات ولا تكون هناك تنمية، لأن الذي خصص لها يختطف إلى جهات أخرى، وهذا يخلف أثراً نفسياً على أصحاب المشاريع عندما تصدق لهم مشاريعهم وإذا وعدهم مسؤول يظنون أنه لن ينفذ، وأوضح أن نتائج تزايد التعدي على المال العام نتائج تراكمية تقود إلى نتائج أخرى، وقال إن مكافحة الفساد سهلة، فإذا كانت هناك رقابة مالية سنوياً في كل مصلحة وواجهة وفعل هذا النظام لاكتشفت المخالفات قبل الميزانيات وحوكم من يختلس ويأتي في تقرير المراجع العام.. ولو كنا جادين منذ البداية لكانت الرقابة الداخلية دقيقة وبالتالي يأخذ المراجع العام أحياناً عينات فقط، لكن المراجعات الداخلية تحمي المال العام. الدكتور محمد الناير الخبير الاقتصادي قال من أخطر الأشياء التي تدمر الاقتصاد الوطني التعدي على المال العام، ولابد من التعامل مع هذا الأمر بالحسم المطلوب، وأن لا يصبح الأمر بأن يقدم المراجع العام تقريره السنوي ما بين العام والآخر، ولابد أن تبذل الأجهزة الأمنية والفنية والعدلية أقصى جهد ممكن لاسترداد المال العام، كما أنه لابد من وضع ضوابط لتفادي تكرار ما يحدث في التقارير السابقة حيث تأتي الضوابط من خلال تقوية إدارات المراجعة الداخلية والعمل على تطبيق القوانين واللوائح والأنظمة المحاسبية، وبهذا لن تكون هناك حالات اعتداء على المال العام، وأوضح الناير أن المراجع العام نفسه يحتاج إلى مساندة ودعم الدولة له، حيث إن ديوان المراجع العام أصبح محطة للخريجين، بمعنى أن يتم تعيين خريج ليقضي عامين أو ثلاثة ثم يترك الديوان والسبب الرئيسي عدم وجود مخصصات مجزية للعاملين بالديوان، فالعامل يبحث عن شهادة خبرة ثم ينتقل للعمل بالقطاع الخاص أو الخارج مستفيداً من شهادة الخبرة، وما نخشاه هو أن ينقطع تواصل الأجيال.. ونسأل لماذا تم تعديل مخصصات الأجهزة العدلية ولم يتم تعديل هياكل ومخصصات المراجع العام.. وهذا ليس تقليلاً من شأن المهام التي تقوم بها الأجهزة العدلية.. ولكن ديوان المراجع العام يقوم كذلك بأعباء كبيرة، لذا لابد من تعديل مخصصات الديوان لكي يصبح جاهزاً للخريجين حتى يكون هناك تواصل للأجيال أو عدد من الكوادر تمكنه من السيطرة سواء كان على المؤسسات والهيئات الحكومية.. أو البنوك التي تساهم فيها الحكومة بنسبة 20%.. وقال إن الصرف دون وجه حق قد يكون ليس بصرف لجيب أحد أو تعدٍ على المال العام، ولكن هو تجاوز للبند أو صرف دون اتباع الضوابط القانونية اللازمة، وبالتالي حتى نتمكن من حماية الاقتصاد لابد من أن يعاقبوا وفقاً للقانون وأن توقع عليهم أقصى العقوبات، وهذا من شأنه أن يحد من هذه الظاهرة بشكل كبير، ودعا إلى أن تعاد للمراجع العام هيبته وأن يتم الاهتمام بالرد على تقاريره وليس تجاهلها من قبل بعض المؤسسات، وأن تكون له سلطات عليا مثل العدل ومجلس الوزراء والبرلمان.. ولابد أن يتم إخضاع المؤسسات فوراً وتوزع تقارير عاجلة على مستوى، لأنه لا يوجد شخص فوق القانون.. واللجنة الاقتصادية في البرلمان لابد أن يكون لها دور فاعل خلال العام وتتابع قرارات وتوصيات المراجع العام.
من خلال رأي الاختصاصيين في المجال نجد أن جرائم المال العام أصبحت (ساقية جحا).. وكأنما أراد بعض الخبراء أن يشير إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيما معناه (هلك قوم كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد).. وهذا ما يحدث غالباً، فالموظفون الصغار دائماً ما يكونون عرضة لأن يقدموا إلى المحاكمة.. فما هو الحل للحد من هذه الجرائم التي وصلت إلى حد الفساد.. وبما أن الرئاسة قررت تكوين مفوضية لمكافحة الفساد.. فما هو الضمان ألاّ تحتاج مفوضية مكافحة الفساد إلى مفوضية أخرى لمكافحة فسادها؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.