أنفاس الضحك: نحن في زمن يسمونه زمن الإنقباض والتجهم، نحن محاصرون بالكآبة والدموع والحسرات على الزمن الثقيل، ولكن هناك كما تقول جريدة الدوحة، في قضية الأدب الضاحك، أكتوبر2010م هناك التماعات ضاحكة في أدبنا قديماً وحديثاً فلقد حمل الجاحظ وابن الرومي كثيراً من الإشارات الضاحكة، وهناك أسماء متعددة حملت لواء الإبتسامة في الأدب العربي الحديث، والإبتسامة هي الرضى وهي التوازن، والضحك فن ونحن مطالبون بأن نضحك على الزمن الآتي، والضحك على الآتي لا يأتي إلا بأننا لا نخاف من الزمن الآتي إنما خططنا له أعظم تخطيط، لهذا فالزمن الآتي لا يزعجنا ولا يفقدنا سلامنا، والضحك على الزمن الآتي هو صفة أعطيت للمرأة الجادة الواعية التي لا تهمل في آداء واجباتها، والتي تعمل بيديها، وتدخر للزمن الآتي، وهذا ما جاء في سفر الأمثال، وفي الإصحاح الأخير منه وهو اصحاح يتحدث عن المرأة الفاضلة، وعن ندرة هذا النوع من النساء، اِمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ مَنْ يَجِدُهَا؟ لأَنَّ ثَمَنَهَا يَفُوقُ \للَّآلِئَ. بِهَا يَثِقُ قَلْبُ زَوْجِهَا فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى غَنِيمَةٍ. تَصْنَعُ لَهُ خَيْراً لاَ شَرّاً كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهَا. تَطْلُبُ صُوفاً وَكَتَّاناً وَتَشْتَغِلُ بِيَدَيْنِ رَاضِيَتَيْنِ. هِيَ كَسُفُنِ \لتَّاجِرِ. تَجْلِبُ طَعَامَهَا مِنْ بَعِيدٍ. وَتَقُومُ إِذِ \للَّيْلُ بَعْدُ وَتُعْطِي أَكْلاً لأَهْلِ بَيْتِهَا وَفَرِيضَةً لِفَتَيَاتِهَا. تَتَأَمَّلُ حَقْلاً فَتَأْخُذُهُ وَبِثَمَرِ يَدَيْهَا تَغْرِسُ كَرْماً. تُنَطِّقُ حَقَوَيْهَا بِالْقُوَّةِ وَتُشَدِّدُ ذِرَاعَيْهَا. (أمثال31 10-17)، وتتعدد صفات هذه المرأة، فهي امرأة منتجة، وامرأة مهذبة، وامرأة شجاعة، لاَ تَخْشَى عَلَى بَيْتِهَا مِنَ \لثَّلْجِ لأَنَّ كُلَّ أَهْلِ بَيْتِهَا لاَبِسُونَ حُلَلاً. تَعْمَلُ لِنَفْسِهَا مُوَشَّيَاتٍ. لِبْسُهَا بُوصٌ وَأُرْجُوانٌ. زَوْجُهَا مَعْرُوفٌ فِي \لأَبْوَابِ حِينَ يَجْلِسُ بَيْنَ مَشَايِخِ \لأَرْضِ. تَصْنَعُ قُمْصَاناً وَتَبِيعُهَا وَتَعْرِضُ مَنَاطِقَ عَلَى \لْكَنْعَانِيِّ. اَلْعِزُّ وَالْبَهَاءُ لِبَاسُهَا وَتَضْحَكُ عَلَى \لزَّمَنِ \لآتِي. (أمثال31 21-24). والضحك هنا يأتي من رحم جدية هذه المرأة، التي من فرط إهتمامها بواجباتها، لا تعبأ بالزمن الآتي بل تضحك عليه. وفي الكتاب المقدس أنواع من الضحك، وأول الضاحكين هي سارة زوجة إبراهيم التي ضحكت ساخرة من نفسها، عندما قال عنها ضيوف إبراهيم إنها سوف تلد ابناً، وعندما ولدت كان زوجها عمره مائة عام، وهي عمرها تسعون عاماً، وَقَالَتْ سَارَةُ: «قَدْ صَنَعَ إِلَيَّ \للهُ ضِحْكاً. كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ يَضْحَكُ لِي».(تكوين6:21)، واختارت لابنها إسم اسحاق أي الضاحك. ومن بين أصدقاء أيوب الثلاثة، كان بلدد الشوحي الذي عبر في كلامه عن رضا الله على الإنسان المؤمن، وقال لأيوب: عِنْدَمَا يَمْلَأُ فَمَكَ ضَحِكاً وَشَفَتَيْكَ هُتَافاً (أيوب21:8)، وكان أيوب وقتها في قمة آلامه، وانفعالاته بسبب الكوارث التي حلت عليه، أما داؤود النبي فإنه أيضاً يعتز بفم قد أمتلأ ضحكاً، والضحك هنا هو سعادة الانتصار عندما أنفك عنهم قيد الأسر والسبي: عِنْدَمَا رَدَّ \لرَّبُّ سَبْيَ صِهْيَوْنَ صِرْنَا مِثْلَ \لْحَالِمِينَ. حِينَئِذٍ \مْتَلَأَتْ أَفْوَاهُنَا ضِحْكاً وَأَلْسِنَتُنَا تَرَنُّماً. حِينَئِذٍ قَالُوا بَيْنَ \لأُمَمِ: [إِنَّ \لرَّبَّ قَدْ عَظَّمَ \لْعَمَلَ مَعَ هَؤُلاَءِ. (مزمور126 21-2). وهذا ضحك سعيد جذب التفات الأمم الى عمل الله مع أمة اليهود. وعند سليمان الحكيم هناك ضوابط للضحك، لأنه لِلْبُكَاءِ وَقْتٌ وَلِلضِّحْكِ وَقْتٌ (جامعة 4:3)، وهذا ما يعني أن هناك سبباً أيضاً للضحك وفي الأدب الشعبي أن الضحك من غير سبب قلة أدب، ولكن بلا شك هناك سبب حتي وإن كان السبب يختلف، لأننا نبكي عندما نصل الى درجة عالية من السعادة، ونضحك أيضاً عندما نصل الى درجة عالية من التعاسة، وقد كان أيوب يعتقد أن البعض من الناس لم يصدقوا ضحكاته فقال: إِنْ ضَحِكْتُ عَلَيْهِمْ لَمْ يُصَدِّقُوا وَنُورَ وَجْهِي لَمْ يُعَبِّسُوا. (أيوب24:29) ولقد جرب حكيم الجامعة كل شئ، قُلْتُ أَنَا فِي قَلْبِي: «هَلُمَّ أَمْتَحِنُكَ بِالْفَرَحِ فَتَرَى خَيْراً». وَإِذَا هَذَا أَيْضاً بَاطِلٌ. لِلضَّحْكِ قُلْتُ: «مَجْنُونٌ» وَلِلْفَرَحِ: «مَاذَا يَفْعَلُ؟» (جامعة2 1-2) ولكنه وصل الى نهاية واضحة وهي أنه باطل الأباطيل الكل باطل. تلميحات الفكاهة والفكاهة والضحك والإبتسام، تلميحات لتوترات معينة، وكلما ضاق الحال بالناس كثرت عندهم النكات، والقفشات، والضحك الساخر، والكاريكاتير، أن شباب 25 يناير2011م كان يعتصر ألماً وهو يطالب بالتغيير، لكنه لم يتنازل عن روحه المرحة، ووصفه الضاحك للطغاة، وسخريته اللاذعة من أعداء التعبير، وعندما بدأ شعب السودان يعتمد النكات أسلوباً له قالوا هذا مؤشر أن هذا الشعب شعب مضغوط، لديه من الآلام، وعذابات الحياة، والغلاء والبلاء ما يجعله يضحك. وقال رئيس تحرير الدوحة إن الفكاهة تظهر عندما يمر المجتمع بتحولات، وممارسات تثير القلق والتوتر وعدم الرضا، وهنا تكون الفكاهة هي الوسيلة المثلي للتعبير باللمح والتلميح، والسخرية، واللزع، والتهكم، والدعابة والمزاج والنكتة والتورية، والتصوير الساخر، عن عمق التفكير وضحالته، ورجاحة العقل وخفته، وحكمة المرء وحماقته، وخلل المجتمع ومشكلاته السياسية والإجتماعية والإقتصادية، وكان كلام رئيس التحرير للدوحة تحت عنوان روحوا القلب ساعة، وأذكر برنامج ساعة لقلبك، الذي كان يمتلئ نكاتاً وسخرية بأوضاع المجتمع، وكان المجتمع حريصاً على أن يسمعه ويتبادل نكاته مع الناس.