تريثت في التعليق على الخبر الذي انفردت به صحيفة الرأي العام والخاص برفض اتحاد أصحاب العمل لمدير الضرائب الجديد.. لعل الاتحاد ينفي حتى وإن كان من باب الشينة منكورة.. وبما أن ذلك لم يحدث، فهذا يعني أن الاتحاد فعلاً يرفض المدير الجديد.. أصحاب العمل لم يوضحوا أسباب الرفض، وعليه ترك الباب مفتوحاً للتكهنات والتحليل والاستفسارات التي تصب كلها في غير مصلحة هذا الرفض. لكن السؤال المهم.. هل اتحاد أصحاب العمل يملك حق أن يرفض تعيين موظف حكومي لمجرد أن الرجل سيكون في واجهة رجال الأعمال.. وإذا كانت الدولة لا تقع تحت سيطرة رجال الأعمال أو أن مديرالضرائب لا يعمل وفق مزاجه الخاص.. فما سبب مثل هذه التدخلات؟.. في اعتقادي أن هذه الحالة الشاذة لها أوجه تستحق الدراسة والتأمل.. فإما أن مدير الضرائب الجديد دكتور محمد عثمان والذي كان مديرًا للمواصفات وهي الهيئة الأكثر قرباً للتعامل مع قطاع الأعمال حتى قبل الضرائب والجمارك.. قد كانت له مواقف مع قطاع الأعمال وهي بالضرورة مواقف غير سارة.. وهنا أنا لا أتهم أياً من الطرفين.. المهم أن العلاقة كان بها ما بها بالقدر الذي يجعل الرجل غيرمرغوب فيه في الموقع الآكثر خطورة، أي أنهم اكتووا بناره وتلقوا ضربات موجعة.. الاحتمال الثاني أن السيد محمد إبراهيم كان شديداً في عمله وفي سد الثغرات ورفض كافة أنواع الضغوط أو الترغيب والترهيب، ومارس عمله بالمهنية المطلوبة.. فطارت بعض الصفقات مما أثار غبن الرافضين له. بصراحة لست مهتمة جداً بأسباب رفض رجال الأعمال لمدير الضرائب الجديد، ولم أبعث بحاسة الشم الصحفية لأكشف لماذا هذا الموقف، فقط أبحث عن من يدلني حول أسباب وكيفية تدخل القطاع الخاص في تعيين أو رفض شخص ما في وظيفة عامة قد يكون هذا الرفض مقبولاً إذا ما كانت تحوم حول الشخص شبهات فساد أو محسوبية أو أنه اتهم من قبل في قضايا جنائية أو تمس شرف المهنة أو أي قضية من ذات القبيل، لكن بغير ذلك كيف يمكن أن تسمح الدولة لرجال الأعمال فرض سيطرتهم على أجهزة حساسة ومهمة مثل ديوان الضرائب أو المواصفات والجمارك وغيرها من الجهات ذات الصلة، في وقت سابق كان هناك تفكير لتحويل إدارة الجمارك إلى هيئة مدنية كنت من أكثر المعارضين في كتاباتهم لهذا الاتجاه، واعتقد أن تخوفاتي كانت في محلها إذا ما قرأنا وفسرنا مثل التدخلات التي تتم بشأن تعيين مدير الضرائب حتى الآن، فإن المشهود للسيد محمد إبراهيم في مواقعه السابقة وآخرها المواصفات، أنه كان شديداً غليظاً في الحق العام، لم يتهم بالمحاباة..إنسان دقيق في عمله اللهم إلا إذا كان هناك من يرى غير ذلك فسارع بالرفض لمصلحة شخصية.. إذا كان رفض اتحاد أصحاب العمل لتعيين مدير الضرائب الجديد له أسباب مقنعة كان من الممكن أن يحدث ذلك، أما بطريقة سرية مع متخذ القرار أو بتوضيح هذه الأسباب العلن وعبر أجهزة الإعلام إعمالاً للشفافية أولاً.. وثانياً لإيجاد مبررات منطقية لمثل هذه التدخلات من قطاع خاص في العمل العام، وحتى لا يكون هناك اتهام واضح وصريح بأن رجال المال والأعمال في البلد هم الذين بيدهم الحل والربط يرفضون من يرفضون ويعينون من يعينون وما على الحكومة إلا الرضوخ. لازلت أبحث عن أسباب مقبولة لتدخل رجال الأعمال برفض مدير الضرائب، حيث إن ما جاء في الصحف لم يحدد هذه الأسباب ولمصلحة من يتم هذا التدخل.. هل لمصلحة البلد وحمايتها من وجود شخص غير مناسب في الموقع الحساس، أم لمصلحة وحماية مصالح التجار التي قد تتضرر من وجود شخص يسعى لحماية المال العام.. إذا كان الموقع المتسبب في مثل هذه الأزمة موقعاً سياسياً أو هامشياً من ذلك النوع الذي يمنح الترضيات، فلا مانع أن يكون هناك رفض ومن أي جهة، لكن طالما أن المنصب هو منصب مدير الضرائب، ذلك الكرسي الذي يعلم القاصي والداني ما هو دور شاغله، فإن مليون خط أحمر ومليون سؤال تبحث عن الإجابة.