هاهو اتحاد أصحاب العمل السوداني يصدر أخيراً نفياً لما جاء حول اعتراضه قرار تعيين محمد عثمان إبراهيم أميناً عاماً لديوان الضرائب.. طبعاً انتظر الاتحاد عددا من الأيام كانت كفيلة بإثارة التساؤلات... ورئيس الاتحاد سعود البرير قال في تصريح صحفي إن اتحاد أصحاب العمل لم يصدر أي بيان رسمي ولم يدل ناطقه الرسمي بتصريح وإن المكتب التنفيذي لم يعقد اجتماع بهذا الخصوص.. نفي السيد سعود البرير لما جاء في «الرأي العام» يشمل الجانب الرسمي من الموضوع وهو محق في ضرورة توضيح رؤيته كمؤسسة معنية بالخبر وبالموضوع لكن الصحيفة تحدثت عن تسريبات ومن حقها أن تنشر مثل هذه التسريبات طالما أنها واثقة من المصدر المسؤول... ما يهمني في هذا النفي هو تأكيد رئيس اتحاد أصحاب العمل على جزئية مهمة جداً وهي أن الاتحاد مؤسسة نفع مستقلة ليست لها علاقة عضوية بالحكومة كما أنه ليس من شأنه التدخل في قرارات تعيين المسؤولين أو الاعتراض عليها.. تهمني هذه الجزئية لأنني بنيت عليها مقالي الأول تحت العنوان أعلاه.. صحيح إن المصلحة كما قال بذلك السيد سعود البرير تقتضي التنسيق والتشاور بين القطاع الخاص والحكومة. وأظن أنني ذكرت ذلك لكن هذا التشاور والتنسيق لا يمكن أن يصل إلى مرحلة رفض تعيين موظف عام. اعتراف رئيس اتحاد أصحاب العمل بأن هناك اختلافات برزت بين د. محمد عثمان والقطاع الخاص إبان توليه المواصفات ورغم أن الاختلاف في وجهات النظر لا أقول طبيعي فقط بل هو حتمي لطبيعة عمل الجهتين أوالمؤسستين يجعل تفسير رفض الرجل أو وجود ململة في توليه المنصب هو أقرب التكهنات خاصة إذا قرأنا بوضوح تصريح النفي لرئيس الاتحاد والذي أكد خلاله أحقية طرفي النزاع في بعض القرارات والاعتراضات.. حيث قال إن هيئة المواصفات كانت على حق في بعض ما ذهبت إليه من قرارات كما أن القطاع الخاص كان محقاً فيما أبدى من اعتراضات. إذن الخلاف موجود وبالتالي رفض التعيين أو الاعتراض عليه موجود إن لم يكن من اتحاد أصحاب العمل فإنه موجود من أو الاعتراض عليه موجود إن لم يكن رسمياً من اتحاد أصحاب العمل فإنه موجود من قبل رجال أعمال تضرروا من سياسات د. محمد عثمان. لا زال سؤالنا في مقالنا السابق بلا إجابة، لماذا يرفض اتحاد أصحاب الأعمال مدير الضرائب الجديد؟ هل يا ترى أن هذا الرفض له علاقة بتصريح جاء في صحيفة الانتباهة الأيام الماضية نقلاً عما دار في البرلمان، عندما طالب في إحدى جلساته الحكومة بتسليط ديوان الضرائب على التجار، حيث إنهم ضاعفوا الأسعار دون الإخلال بسياسة السوق الحر.. فألقى البرلمان في ذلك اليوم مجموعة من الاتهامات على التجار برفع تكلفة المعيشة والتحايل على سياسة السوق المفتوح، وكذلك تحايل أصحاب المخابز في أوزان الخبز ووصف البرلمان مثل تلك الممارسات بالكسب الحرام، و من ثم دعا إلى تسليط الضرائب.. كنت يومها بصدد كتابة مقال لانتقاد البرلمان الذي يحرض على تسليط كرباج الضرائب على التجار.. وكنت أود أن أقول إن كرباج الضرائب لن يقتل ممارسات التجار الخاطئة بقدر ما سيكون له دور كبير في الفاقد الضريبي، ببساطة لأن هذا الاتجاه سيؤدي إلى التهرب الضريبي وهو الأكثر شيوعاً عندنا في السودان.. الآن قد يجعلنا رفض اتحاد أصحاب العمل للمدير الجديد لأن نربط بين دعوة البرلمان تلك وبين هذا الرفض غير المبرر حتى هذه اللحظة. من الخطأ الكبير أن نتهم قطاع الأعمال السوداني أو أن نقارن بينه وبين سيطرة رجال الأعمال على مقاليد الحكم في الدول المجاورة.. قد تكون لدينا بعض الحالات التي يجب الوقوف عندها، لكن من المؤكد أننا لم نسمع أو نلحظ مثل ذلك التزاوج الذي يتم بين الاقتصاد والسياسة في مصر، وكيف لاحظنا أن رجال الأعمال هم المسيطرون على الحزب الحاكم وأن القرارات الاقتصادية في مجملها يصنعها رجال أعمال الحزب بالقدر الذي لم يكن هنالك فاصل بين ذمة الحكومة المالية وذمة الحزب الحاكم.. فكل ما في خزينة الحكومة هو ملك خالص لخزينة الحزب الذي يسيطر عليه رجال الأعمال الذين هم رجال السياسة في الحزب وفي الحكومة وفي الدولة كلها.. للأمانة لم يكن لدينا مثل هذا الوضع المخل أو فلنقل لم يظهر لنا مثل هذا الخلط حتى الآن.. بلا ذكر أسماء لدينا رجال أعمال مشرفون بنوا هذا البلد برأسمال وطني حقيقي وفي ظل تحديات كثيرة وكبيرة طالما كتبنا حولها.. ومن أمثلة هذه التحديات فإن القطاع الخاص يعمل في ظروف غير مواتية سياسياً واقتصادياً.. كثير من المعاناة بسبب الرسوم غير القانونية وارتفاع تعرفة الجمارك والضرائب وتضارب السياسات بين المركز والولايات وبين الوزارات ذات الصلة.. وبين الولايات والمحليات.. تعقيدات جعلت كثيراً من رجال الأعمال يتجهون إلى الخارج.. وكثير من المستثمرين يفرون بجلدهم.. أول المتضررين من الأزمات الاقتصادية العالمية التي أثرت على السودان هم رجال الأعمال مثلما أنهم أول من تضرر من تداعيات الأوضاع الداخلية وآخرها انفصال الجنوب.. أول من تأثر من شح النقد الأجنبي وتضييق سياسات الاستيراد وكل الإجراءات التي تتخذها الحكومة هم قطاع الأعمال من صناعة وزراعة واستثمار وتجارة وخدمات.. كل ذلك واضح ومفهوم ومقدر ويحتاج إلى تصحيح أوضاع، لكن غير واضح ولا مبرر ولا مفهوم أن يكون هناك تدخل مباشر لعدم قبول مدير للضرائب اللهم إلا إذا كان لا يمتلك الكفاءة وهنا دور جهات أخرى ليس من بينها اتحاد أصحاب العمل. إذا كانت الدولة تعمل وفق القوانين واللوائح فلا توجد مبررات لتدخل جهات، وإذا كانت القوانين واللوائح تعمل بلا تعطيل وبلا تدخلات فلا حاجة إلى تدخلات. وإذا كان المدير المعني «أي مدير لأية جهة حكومية» ينفذ اللوائح والقوانين ويلتزم بالسياسات المعلنة، فلن تكون هناك ثغرات ينفذ منها المتنفذون وأصحاب التدخلات.. وإذا لم تكن هناك مجاملات أو محاولات استخدام القوة والنفوذ فإن الرجل المناسب سيكون في المكان المناسب. حتى الآن الغموض يكتنف ويلف أسباب رفض المدير الجديد للضرائب.. هل هي أسباب شخصية أم لمصلحة عامة.. وإذا كل ذلك لم يكن كذلك، وأن اتحاد أصحاب العمل لم يرفض ولا يرغب في التوجه نحو القصر الجمهوري للمجاهرة بهذا الرفض فأيضاً نحتاج إلى توضيح. واذا كان الأصل في الأمور أن تتم المشورة بين الحكومة والقطاع الخاص فكان الأجدى أن تتم «الشورة» قبل صدور القرار حتى لا يظهر الأمر وكأنما هناك «إنّ».