تحدثنا من قبل عن برامج تأويل الأحلام بلا هدى ولا كتاب منير، في الكثير من الفضائيات والإذاعات الخاصة، وقلنا إن تأويل الأحلام موهبة من الله وعلم له أصوله، والحقيقة ما قادني للحديث في هذا الموضوع في ذلك الوقت، هو تجارب عشتها مع أحد المفسرين الشباب، أخي في الله خضر «أبو بشائر»، فهو شاب نشهد له بالاستقامة ونحسبه من أهل الخير، حباه الله موهبة عظيمة في التأويل أكدت تجاربنا معها صدقها وصلاحها، وكان وما زال يعجبنا في تأويل أخينا أبو بشائر ختمه لتأويل الرؤية بعبارة «والله أعلم».قبل عدة أشهر، ثلاثة أو تزيد، رأى أحد الإخوان في منامه أن بناية شاهقة، صفراء وقد هوت بالقاهرة، فكان تأويل أبو بشائر لها بأن نظام مبارك قد هوى، فضحك منا من ضحك، ورأى استحالة ذلك من رأى، وعندما تحققت الرؤية اتصلت عليه مداعباً ومذكراً، فقال إن هناك من رأى صاروخين وقد سقطا في ليبيا، وان تأويله لذلك سقوط نظام معمر القذافي، لحظتها لم أخف استخفافي بتأويله وقلت له إن ذلك أبعد من أن يحدث قريباً، لأن ليبيا وقتها كانت تشهد استقراراً، على الأقل هو ما كان واضح لنا. بالأمس وكعادتنا مع الأخ خضر، ونحن نتحدث عن الرؤى وعالمها قال لي إن هناك من رأى الرئيس البشير يقوم ب«سلخ» خروف بداية من رأسه، وعندما سألته عن تأويلها قال: إن الرئيس يقوم بتغيرات في هرم الدولة.. وبعدها كانت عبارة «والله أعلم». ما قصدته ليس شغل الناس بما لا يفيد، أو التكهن، أو غير ذلك من أمور قد يراها البعض ليست ذات جدوى، ولكن قصدت أن أقول إن تأويل الرؤى، علم له أصوله، وليس خزعبلات واجتهادات أو ونسة عابرة، وثرثرة على أثير الإذاعات على نحو ما نسمع، وهي ثرثرة لها آثارها الخطيرة على المستمعين الذين يصدقونها ويعملون بها.. مثل الذي يقال له إن مالاً في الطريق إليه، فيعيش دون عمل في انتظار وصول المال.. أو من يقال له إنه سيحقق نجاحاً باهراً، فيعتمد على ما سمع ويترك الاجتهاد.. وهكذا تأويل سمعناه كثيراً خاصة تلك التي في إحدى إذاعات «الاف أم» والتي قالت إنها رأت في المنام من يبشرها ويأذن لها بتأويل رؤى الناس، هذا غير الذي يحدث في الفضائيات التي قامت أصلاً على التأويل والاعتماد على دخل المحادثات الهاتفية التي ترد إليها من المستمعين.تأويل الرؤى له أهله وعلماؤه، بدءاً من الإمام محمد بن سيرين وحتى عصرنا هذا، وله كتبه ومؤلفاته، وهو علم قابل للتحديث مثله مثل بقية العلوم.. والرؤيا يراها العبد فيبشر بها أو ترى له، وليس عبثاً.. لذلك نرجو من الإذاعات والفضائيات التي تخصص لها البرامج، الاستعانة بأهل العلم، وكفاها استخفافاً بعقول الناس والتلاعب بمصائرهم.هذا ما أردنا قوله، ونراه مهماً وإن رآه البعض غير ذلك.