الصديق الغالي جداً.. السفير الأنيق أبداً.. الشاعر المجيد الفحل مطلقاً.. سيد احمد الحردلو.. ولست أدري.. لماذا أحس.. كلما صافحت عيوني بعض حروفه.. أحس بأنه إنما يكتب وينثر.. وينظم باسم ابن البلد.. من روح سوداني.. حتى النخاع حروفه.. إنابة عن وطن.. لساناً لشعب.. وبالأمس والدنيا.. دنيا الطغاة ترحل.. والمسرحية الهزلية.. مسرحية أفول عصر الطغاة والمتجبرين في نهاياتها.. وعروش الفراعنة والأكاسرة.. والجنرالات.. تتصدع.. بل تتهاوى.. بالأمس كنت أمني النفس براحة قصيرة.. أو هدنة خاطفة من فرحي وجنوني وأنا أشاهد عصر الجماهير ينهض.. ويبدأ.. كنت أود العبث والانصراف إلى حين.. من تلك الجدية الجادة.. حلمت بأن الجأ إلى حروف ملونة.. تطير كالفراشات على هامات الزهر.. تناولت ديوان شعره «الخرطوم يا حبيبتي».. وجدت الرجل يكتب بأعواد مشاعل.. بل بأطراف أسنة وخناجر.. فاشتعل الديوان.. واشتعلت روحاً لهباً.. بل لهيباً.. ودهشت.. الرجل يتنبأ.. يرى بعيون زرقاء يمامة.. يكشف أحداثاً لا نراه نحن واقرأوا معي.. بالله عليكم كلماته التي كتبها في يوم 26/مايو 1998 بعنوان «فهل تفيد الآخرين تلك الدروس».. اقرأوها ثم عودوا مسرعين إلى قناة الجزيرة.. لينهض في عقولكم السؤال.. هل كان الرجل ساحراً.. أو ضارباً للرمل.. أم منجماً.. فإلى كلماته: هل بدأ الطغاة والبغاة في العالم يرحلون؟.. ها هم على كل الرياح يرحلون.. من اليسار أو من اليمين يذهبون.. فشاوشيسكو ومنقستو وموبوتو وسوهارتو.. يرحلون.. ها هم على مر الشهور والدهور والعصور يرحلون.. لم تمنع الجيوش هبة الشعوب.. ضد تلكم العروش ولا مخافر البوليس حالت دون دك معقل الطاؤوس.. ولا أفادت الألقاب والأنساب دولة الديوك والتيوس.. رحلوا وخلفوا النعيم والحريم.. والأقمار والشموس.. لم يأخذوا مجداً ولا تاجاً ولا ذهباً ولا فلوس.. ذهبوا فنهض التاريخ يستبيح سرهم ويفضح المدسوس.. فإذا بهم جميعاً عصابة من الأوغاد واللصوص.. كانوا يخيطون ثيابهم من الأعناق والأجساد والرؤوس.. كانوا يحبون شرابهم من الأحزان والأشجان في النفوس.. كانوا يلوكون شعوبهم كما اللبان في فم مهووس.. رحلوا وظل الناس يشتمونهم إن زمان الظالمين سوس ينخر في أبدانهم ينخر في وجدانهم ينخر في العروش لم يجدوا قبراً على بلادهم ولا جنازة.. ولا نعوش فقبروا في أي منفى ممكن بلا مواكب ولا طقوس ذهبوا كما جاءوا فهل تغير الآخرين تلكم الدروس.. صديقي سعادة السفير.. أقسم لك بالشعب والأيام الصعبة.. أني لو كنت حاكماً لتنحيت اليوم قبل الغد.. فأنت من ترسم هول النهاية.. وما جانبك صدق الرسومات.. مطلقاً.. لك عاطر التحايا.. والثناء..