أتناول إحدى المجلات القديمة المكومة أمامي على الطاولة.. أتصفحها دونما اهتمام كعادتي آملاً أن أجد شيئاً يدهشني أو يستفزني.. يستوقفني خبر صغير مشفوع بصورة أكبر منه.. فجأة أجدني أضحك بشكل قصير ومتقطع كمن ينفخ بالونة مثقوبة.. يلتفت لي أحد الجالسين على الطاولة الأخرى في محل الحلاقة.. يرمقني بنظرة تساؤل واستفهام.. أغمض عيني ليتركني وشأني.. أعود لأقرأ الخبر مرة أخرى: (يثير المطرب لاتيني الأصل «ريكي مارتن» الذي اشتهر في مونديال القرن للعام 1998من خلال أغنية «كأس الحياة» لغطاً كبيراً من حوله).. انظر للجالس إلى جواري.. أجده ما زال مشدوهاً نحوي.. أواصل قراءة بقية الخبر بصوت مسموع كمذيعي التلفاز: (ما زال يثير لغطاً كبيراً من حوله بسبب حاشيته الضخمة التي يقال إنها تضم اختصاصياً في العلاج بالإبر الصينية، وخبير تغذية، ومدرباً وثلاثة مديرين، وثلاثة منتجين مساعدين وتسعة أطباء ومساعدين في اختيار الملابس.. وثلاثة مديرين تنفيذيين من ثلاث شركات للأسطوانات.. وأربعة حراس شخصيين، إلى جانب أمه.. فقط)!! أصمت.. ما زال ذلك الجالس على الطاولة الأخرى يحملق فيني مذهولاً.. يصرخ مسرعاً كمن سيكتشف لغزاً محيراً: (هل المقصود بالخبر إنسان؟!).. أجيبه برأسي موافقاً.. يسأل من جديد: (هل هو حي؟!).. أجيبه برأسي موافقاً.. يواصل تخميناته: (من كوكبنا أم من كوكب آخر).. أقاطعه كي أنهي حيرته: (إنه المطرب ريكي مارتن).. تتسع عيناه ثم ينفجر بالضحك مردداً: (ريكي مارتن يا إلاهي.. وماذا يطلع هذا الريكي مارتن؟!) .. ابتسم له وأنا أتمتم: (اللهم لا حسد ولا شماتة.. أنت الواهب وأنت الرازق!!)! تقع عيناي على خبر آخر مجاور لخبر ريكي مارتن مشفوعاً بصورة جمجمة مليئة بالثقوب.. الخبر خلاصته أن العلماء توصلوا إلى أن جمجمة المخترع والعبقري (أنيشتاين) كانت أكبر حجماً في مقدمتها بأضعاف المرات من جماجم البشر، مما قد يعني أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين حجم الجمجمة والعبقرية.. انظر لرأس (ريكي مارتن) في الصورة.. ثم انظر لرأس ذلك الجالس على الطاولة الأخرى.. أحدق في مرآة (صالون الحلاقة) التي أمامي متأملاً الرؤوس التي أطالعها.. أضع يدي على رأسي.. أسير عائداً من حيث أتيت قبل أن أحلق رأسي وأنا انظر في رؤؤس البشر كمن يبحث عن جمجمة كبيرة مثل جمجمة أنيشتاين!! ما وراء اللقطة: لماذا تضع محلات الحلاقة مجلات قديمة اأمام زبائنها؟!.. ما علينا.. فكثيرون يتحسسون الآن رؤوسهم.. ترى كم ريكي مارتن بيننا وكم أنيشتاين؟! انظروا حولكم بحثاً عن الجماجم الكبيرة لتطمئنوا إلى أن زمن العبقرية لم ينتهِ بعد.. فثمة مئات وأكثر ممن هم أغنى الآن من ريكي مارتن ويملكون حاشية أضخم من حاشيته بعشرات المرات.. لكنهم ربما لا يتحسسون رؤوسهم!!