صدحت فرقة غنائية بلحن طروب وقيادات المؤتمر الوطني من دولة الجنوب يعرضون ويرقصون، ويشاركهم بالتهليل والابتسامات د. نافع علي نافع ود. عوض أحمد الجاز ورئيس مجلس الشورى أبو علي مجذوب أبو علي، وفي المنصة الرئيسية وقف الرئيس يرفع عصاه وإلى يمينه الوزير داشوب وإلى شماله أقنس لوكدوا في احتفالية الوداع الأخير. الابتسامات التي صنعنها دهشة الطرب تخفي من ورائها آهات ودموع وأحزان للفراق الذي كتب الجنوبيون سطوره، وأصبح علي تميم فرتاك أمين الجبهة الإسلامية ببحر الغزال وصاحب القصر المنيف بالمهندسين «أجنبياً» يتم منحه تأشيرة دخول للخرطوم وعليه مراجعة قسم الأجانب بوزارة الداخلية في حال حالت ظروف دون مغاردته الخرطوم في غضون ستين يوماً كما تقول نصوص قوانين الهجرة.. وقائمة المحتفى بمغادرتهم أسوار حزب المؤتمر الوطني داشوب أحد المخلصين الأوفياء في محيط اختار غالبه الخيانة للمشروع الذي تحت سقفه أصبح المسيحي الكاثوليكي يهتف «هي لله هي لله» ومبادئ العلمانية الأرثوذكثية تقول مالله لله وما لقيصر ل.. طرب المؤتمر الوطني لوداع قيادات الجنوبي، وبلغت النشوة بالجنوبيين حد الرقص وأطلقت النساء زغاريد الفرح كأن الجميع يتقفون أثر المهندس الطيب مصطفى حينما كتب أول مقال صادم لمشاعر الوحدويين في صحيفة ألوان تحت عنوان لن نذرف دمعة واحدة لانفصال الجنوب، ومن حينها بدأت قصة منبر السلام الذي يمقت الجنوب والجنوبيين حتى لو كانوا في مقام الراحل منقو أجاك أو أبوكر دينق الذي يشمله حفل الوداع «الحزين» «الطروب»، وفي المسرح السوداني قصة «الضحك في بيت البكاء»!. غادر أبناء المؤتمر الوطني المدللين حوشاً لهم فيه ماضي وذكرى وأحزان وأشجان وأفراح.. صنعت السلطة توت قلواك وعبد الله شول ووليم دينق، مثلما صنعت الحركة الإسلامية الشيخ بيش كور وفرتاك والراحل أحمد الرضي جابر وعبد السلام كوكو والآلاف من القافلة الراحلة إلى الرنك وملوط وملكال وبانتيو ليقرروا مصيرهم هناك ما بين الصمود في وجه العاصفة أم الانضمام للحركة الشعبية التي تسعى لتحرير الجنوب من آثار المؤتمر الوطني والاحتفاظ بوجودها في الشمال حتى يصبح الوجود السياسي للحركة الشعبية «مدخلاً» لنشاط استخباري يضع الشمال في جيوب باقان، بينما المؤتمر الوطني ترك لقادته ورموزه من الجنوبيين حرية الاختيار والمفاضلة مابين الاحتفاظ بالاسم المؤتمر الوطني أو اختيار أسم جديد أو التلاشي والذوبان!. من الذي يحول دون وحدة الإسلاميين في الجنوب، فإذا كانت السلطة في الشمال هي من فرقت بين إبراهيم السنوسي وأحمد عبد الرحمن وبين أحمد الشين وأحمد هارون، فإن محنة الواقع الحالي في الجنوب تجعل عبد الله دينق وموسى المك كور أقرب لفرتاك والشيخ بيش كور لوحدة حزب يخوض معركة وجود، فالتيار الغالب والقابض على مفاصل السلطة بالجنوب ينظر للإسلاميين في الوطني والشعبي بعين الريبة والشكوك والبغض والكراهية، ولكنه يسعى للتفريق بين الإسلاميين ليضعف صفهم وتذهب ريحهم ويجلسون في الهامش «يعلقون» على الأحداث ولا يصنعوها، ولكن أخلاقياً لا ينبغي للمؤتمر الوطني الاكتفاء بالاحتفالية الحزينة.. بل المضي في طريق إسناد لكل القوى الجنوبية المسلمة من اتحادي وحزب أمة وأنصار سنة، حتى تتمدد مساحات الوحدة القادمة في مسارب شعب الجنوب.