ألح عليّ بعض الأصدقاء للكتابة حول ثورة الشباب العربي الليبي وما كنت أرغب في ذلك لأسباب خاصة جداً، ولكن مع الإصرار لابد من مقال حتى ولو اتسم بعدم الموضوع في بعض فقراته، وقبل الشروع في التعليق على الحدث لابد أن أشير للحقائق الآتية وهي تأتي متأخرة بالنسبة للقاريء: أولاً: نحن في السودان خاصة سودان الإنقاذ، فقد واجهت الإنقاذ في بداياتها حصاراً عالمياً وعربياً في البترول والسلاح وكل مدخلات الإنتاج، ولم يكن أمامها غير بوابة العقيد القذافي شخصياً الذي أمد السودان بما يحتاجه من الوقود. ثانياً: ليبيا لا تنكر أنها تخدم مصالحها من خلال دعم ثورة الإنقاذ الذي حقق لها الأمن من ناحية الكفرة والجنوب الليبي، وحقق لها موقفاً ضاغطاً في مواجهة الرئيس المصري محمد حسني مبارك، وحقق لليبيا اتساعاً يمتد عبر جنوب السودان حتى يوغندا، حيث موسيفيني صديق القذافي. ثالثاً: المجتمع الليبي تمنع فيه الخمور والدعارة والتبرج، والشارع الليبي منضبط رجالاً ونساء، المجتمع الليبي بعاداته وتقاليده غير المنفصلة عن الشريعة الإسلامية. رابعاً: القذافي أعلن في 3 مارس- لا أذكر العام بالضبط- أعلن عن قيام سلطة الشعب المؤتمرات واللجان الشعبية، وأن الشعب الليبي يعلو ولا يُعلى عليه، وأضعف القائد القذافي كل مؤسسات الدولة القمعية وجعل من الجيش مؤسسة شعبية واستعاض عنه «بالشعب المسلح». خامساً: السلطة في ليبيا قمتها مؤتمر الشعب العام الذي ينتخب الجهاز التنفيذي- اللجنة الشعبية العامة- وتتكون من لجان شعبية عامة للحكم «الداخلية، العدل، الاقتصاد، الشعب المسلح، الاتصال الخارجي، المواصلات.. الخ» سادساً: ليبيا ثورة الفاتح تعتبر أراضيها بمثابة عالمية للثوار من نيكاراجوا إلى جنوب السودان، ومن كوبا إلى أديس أبابا «منقستو»، فلذلك كان قرنق في المثابة العالمية، والآن خليل إبراهيم. وإذا كان الأمر واضحاً بهذه الصورة، وإذا كان البترول الليبي تديره أمانة النفط ووزيرها منتخب وتستثمر أموال البترول الشركة الليبية للاستثمار الخارجي، فجاء فساد سيف الإسلام وأخوانه، وغابت سلطة الشعب.. وجاءت سلطة الأبناء والقبيلة «قذاذفة ومقارحة»، جاء المال لهؤلاء وافسدوا به كل المنطقة العربية، بل أفسدوا به الزعامات الغربية التي تحدثنا عن الشفافية، وهم مثل الدمي يحركهم المال الليبي.. وفي بريطانيا العظمى توجد شبكات من السياسيين السماسرة التابعين لسيف الإسلام، من كان يصدق أن بريطانيا العظمى توجد بها شبكات من السماسرة يقودهم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وفي إيطاليا الآن برلسكوني، وإذا شذت فرنسا لأن التواصل معها ولأنها تنافسها حول تشاد. إن فساد ليبيا جاء من طول مدة الحكم التي أفرزت كياناً بروقراطياً مكن لأبناء القذافي وقبيلتي المقارحة والقذاذفة والقائد يمارس هواياته ويسيطر عليه شيطان الكتاب الأخضر الذي أعانه عليه عدد من المثقفين الليبيين وغيرهم، واستغلوا حالته النفسية وجعلوا منه «نبياً» وصدق أن العالم هو عالمه هو.. وعندما فتحت أفريقيا أراضيها أمامه يتبوأ منها حيث يشاء وهو ملك ملوك أفريقيا، بدأ يفقد البوصلة. والقذافي لمن لا يعرفه يعشق الصحراء التي تحقق له الأمن والأمان، وتحقق له العزلة مع المثقفاتية.. وفي السودان ليس على رأسهم عبد الله زكريا أو محمود عابدين، بل هناك من هم أكبر من هؤلاء ولكنهم صمتوا، إلا أن مواقفهم مفضوحة. القذافي أضاعه شيطان الحكم الذي صور له النظرية العالمية الثالثة وظن أنها الحكمة المنزلة عليه، وصوروا له ذاته وأصبحوا لا يرون إلا ما يرى ولكنهم من وراء ظهره يعيثون بالشعب فساداً وإرهاباً وتعذيباً، وسجون تحت الأرض بالرغم من أن القذافي كان قد هدم أحد السجون وأطلق صوت الفنان محمد وردي ليكرر نشيد أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باقي، إلا أنه كان هناك تحت الأرض سجن آخر. كل هذه العوامل جعلت القذافي فرعون ليبيا.. وسيف الإسلام هامان. وفي الحلقة القادمة إذا كان المزاج طيباً سنتناول لماذا قامت الثورة في شرق ليبيا؟.. ولماذا تأخرت في سرت وطرابلس وسبها؟.. ومن هم المرتزقة من الثوريين العالميين أعضاء اللجان الثورية؟.. هل هم الذين وفدوا إلى ليبيا بعد الثورة.. أم أنهم هناك منذ قيام ثورة الفاتح؟.. من قتل سعيد الراشد؟.. أين عبد السلام جلود وعبد المنعم الهوني وبشير هواري والعميد أبوبكر يونس؟.. أين هؤلاء وأولئك كلهم؟!