أن تسعى أي شركة لجني الأرباح فذاك هو السبب الأساسي لتكوينها بداهةً.. فما من شركة قالت «بسم الله نويت أن أخسر وأن لا أربح»، وإلا فالنتيجة المحتمة الراجحة زوالها.. وشركات الاتصال هي الأكثر أرباحاً من بين بقية جميع الأنشطة الاقتصادية، لأن بضاعتها «الهواء والكلام».. وكنا نقول «سذاجة» ما تتكلم «يا أخي أصلو الكلام بي قروش!!» قبل أن يتبين لنا خطل فكرتنا، فالكلام بقروش كثيرة.. وعندما قامت الشركة السودانية للاتصال «في أول خطوات سياسة السوق وما تبعه من خصخصة المؤسسات الحكومية».. بديلاً عن المؤسسة العامة للمواصلات السلكية واللاسلكية والتي كانت تكابد من أجل البقاء وقد تدنى أثرها في حياتنا حتى أن طلب توصيل خط هاتفي جديد كان يحتاج لسنوات.. فقد تقدم «على سبيل المثال» الملازم عمر حسن أحمد البشير بطلب لتوصيل خط هاتفي لمنزل الأسرة في حي كوبر «الذي لم تفلح محاولات القذافي بتحويل اسمه للمجاهد الثائر الشهيد عمر المختار».. ولا هدم سجن كوبر.. وقد تبين أنه قد أقام عشرات السجون الظاهرة والسرية والتي ينفذ فيها عمليات إعدام بالجملة بما يفوق الآلاف من «الكلاب الضالة» وهو اللقب الرسمي «للمعارضين الليبيين».. الملازم عمر البشير وقد وفر الأعمدة الخشبية المطلوبة للتوصيل حسب طلب المؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية.. ثم تلقى قرار الموافقة بتوصيل التلفون و«الذي غالباً ما يولد ميتاً بلا حرارة».. عندما بلغ مرتبة العقيد أركان حرب.. وما بين الملازم عمر والعقيد أح عمر كانت السلكية تحفر حفرة صغيرة في مكان الكوابل يظل فاهها فاغراً سنين عدداً.. وكانت كبانية الخرطوم التي يشكل الرقم «سبعة» بادئتها الرقمية، هي الوحيدة التي تنبض بالحياة وكانت خطوطها عرضة للاستلاب والسرقة، فإذا ما دفعت رشوة صغيرة يمكن أن تُحول لك «نمرة غيرك».. أما «تلفونات الحكومة» فقد كانت تستخدم في غير الأغراض التي أوجدت من أجلها «بصورة ممنهجة».. خاصة في المكالمات الدولية.. وقد كان الأهل يقفون في طوابير طويلة في مكاتب البوستة بالخرطوم أو العمارة الكويتية في شارع النيل، بالليالي ذوات العدد من أجل مكالمة لثلاث دقائق.. هذا السرد موجه بصورة خاصة «للشباب»!!.. ولإنعاش ذاكرة الكبار الذين أنستهم سهولة الاتصالات ماضيهم القريب. وعندما أدخلتنا الشركة السودانية للاتصالات في عين ثورة الاتصالات وسبقت بنا الكثير من الدول العربية وغير العربية، ومن ثمَّ انتقلت بنا إلى تقانة الهاتف السيار بعدما «دَفَنَتْ» ملايين الدولارات في باطن الأرض ثمناً لشبكة الألياف الضوئية التي أوصلتها لكل أنحاء السودان.. ووفرت آلاف الفرص للعمالة الوطنية خلاف سبل كسب العيش المتمثلة في محلات الاتصالات وبيع الشرائح والتي وسعت أرزاق الكثيرين.. وقد حصلت «سوداتل» على امتياز احتكار الخدمة لخمس سنوات وأقامت الشركة السودانية للهاتف السيار «موبيتل» فحصدت أموالاً كثيرة قبل أن تبيع رخصتها لمستثمر عربي!!.. وأرباح شركات الاتصالات تأتي في المرتبة الثانية بعد شركات النفط «والسودانيون يتونسون بمليارات الجنيهات» كما قال السيد الرئيس ذات مرة.. والأرباح أول مقاصد الشركات ولكن لماذا لا يستفيد المواطن؟ ومن أجل نماء الإنسان.. ورخاء الأوطان.. ومسح الأحزان.. ورضا الديّان.. أصبحت سوداتل رائدة الدعم الاجتماعي بلا منازع وقد ضمت مشروعاتها عدة محاور هي الصحة.. والمياه.. والتعليم.. وكفالة الأيتام.. والمحور التنموي والمحور المباشر، وأنفقت في كل هذه المحاور أموالاً ضخمة ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم.. ورداً لأموال الناس إليهم.. لا كما يفعل البعض!! شهدت فيلماً قصيراً يعرض هذه الخطوات في شتى بقاع السودان.. وقد ضمت بعض مشاهد الفيلم لقطة لمدرسة عاصمية!! يفترش تلاميذها الأرض قدمت لها سوداتل الدعم اللازم، وأظهر الفيلم تلميذاً يقول «أنا بشكر سوداتل شديد».. فكان خطاباً بليغاً ورداً شافياً وعرضاً كافياً تمنيت معه لو انتهى الحفل المبسط لملتقى الدعم الاجتماعي الثاني به.. المشير عبد الرحمن سوار الدهب أبدى استغرابه من اللوحة الخلفية التي تقول «الملتقى الثاني».. وقال إن منظمة الدعوة الإسلامية تلقت دعم سوداتل عشرات المرات فكيف يكون هذا الملتقى الثاني؟ واستلم الزملاء والضيوف كيس هدايا به مصحف إليكتروني فقالوا «كتاب الله ماب ناباهو لكن الفيكم اتعرفت يا سوداتل».. وقد أعجبني السجع فقلت للمهندس عماد أجعل بعد «محور الأيتام محور الإعلام!!.. فرد قائلاً والله يستاهلوا».. وهذا هو المفروض