عاد المهندس عبد الواحد يوسف وزير الدولة بوزارة المعادن من رحلة نوعية إلى ولاية النيل الأبيض سبقت رحلة أخرى مماثلة قام بها إلى ذات الولاية الدكتور عبد الباقي الجيلاني ..وزير المعادن الاتحادي إلى مسقط رأسه ومرتع صباه محلية الجبلين وهي زيارة كتلك التي سجلها أخوه عبد الواحد لا صلة لها بأمر المعادن والذي أحدث فيه الرجلان ثورة في مدة قصيرة أحدثت مفاجأة مذهلة لفتت الانتباه إلى حقيقة الكنوز التي يذخر بها باطن الأرض في السودان .. الزيارتان كانتا على صلة وثيقة بأمر السياسة في بحر أبيض .. زيارة الوزير الاتحادي تدثرت بثوب رد الوفاء والدين للأهل والعشيرة حيث اصطحب د الجيلاني قافلة حملت على ظهرها معينات للفرق الرياضية بالمحلية وقدم دعماً مقدرًا في مجالات الصحة والتعليم .. ولكن الجيلاني لم يستطع السكوت على ما يحمل من معلومات وما يعرف من اتجاهات صناعة القرار داخل دهاليز السلطة الاتحادية حيث خاطب لقاءً نوعياً لقيادات المؤتمر الوطني برئاسة محلية الجبلين قدم فيه تنويرًا ضافياً عما يدور في البلاد وقال إن حزبه لن يسكت على ما يشاع عن الفساد وقال إن من يثبت تورطه في قضايا تمس الشرف والأمانة سيتم تقديمه لمحاكمة عادلة وشدد على ضرورة مواجهة المرحلة القادمة بكل الحسم والقوة ودعا قيادات الوطني بمحلية الجبلين الى التسامي على أصوات الجهوية والقبلية والعمل بصدق وإخلاص داخل صفوف الحزب، مشيرا الى التضحيات التي قدمها شهداء الثورة منذ عام 1989 .. وبذات الحفاوة التي استقبلها بها أهله عاد د عبد الباقي الى الخرطوم وقد أزاح عن كاهله رهق الإحساس باللوم والتقصير تجاه الأهل والوطن وهو ينشد .. كم من منزل في الأرض يعشقه الفتى .. وحنينه دوما إلى أول منزل !! وزير الدولة بالمعادن المهندس عبد الواحد تحدث للصحفيين عقب وجبة غداء دسمة أقامها على شرف قدومه الأستاذ إسماعيل نواي نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية النيل الأبيض وأجاب على عدد من الأسئلة والاستفسارات حول طبيعة وأهمية زيارة عبد الواحد والتي تختلف اختلافاً كلياً عن زيارة جيلاني .. فوزير الدولة بالمعادن زار بحر أبيض بصفة تنظيمية خاصة حيث يتولى ملف الإشراف التنظيمي لحزب المؤتمر الوطني بالولاية .. من الأسئلة المهمة عقب وجبة الغداء التي شرفها الأستاذ يوسف الشنبلي والي الولاية : لماذا لم يتم إسناد ملف الإشراف التنظيمي للنيل الأبيض لأحد أبنائها بدلاً من عبد الواحد ابن شمال كردفان ؟!! .. والإجابة الصريحة التي أوردها الوزير أشارت الى أن حزب الوطني يدير أمره في الولايات انطلاقاً من بعد قومي وليس من منطلقات مناطقية أو عشائرية .. لكن ما احتفظ به عبد الواحد في خزانة خواطره أن تجربة الإشراف التنظيمي للولايات من قبل أبنائها قد أحدثت من قبل شروخاً في جدار الحزب لا تزال ماثلة وتتم المعالجة لها بهدوء حتى لا تتكرر أعراضها ثانية .. زيارة عبدالواحد هي الأولى لمسؤول تنظيمي رفيع للنيل الأبيض عقب الحملة الانتخابية الشرسة التي حملت الأستاذ يوسف الشنبلي لكرسي الوالي .. وكغيرها من ولايات السودان لم تسلم البنية التنظيمية لبحر أبيض من شروخ وآثار وندوب ما بعد فوز الشنبلي .. فليس سراً أن عددًا من منسوبي الوطني في الولاية قد شقوا عصا الطاعة على التنظيم وناصروا المنافسين لمرشح الحزب لمنصب الوالي وناصبوه العداء المعلن والمستتر !! .. ومن بين هؤلاء أسماء معروفة في المكتب القيادي تعرضت لمساءلة عبر لجنة تنظيمية من قيادة الحزب بالولاية ولتقديرات سياسية لطبيعة المرحلة لم تمض إجراءات المحاسبة الى نهايات الفصل، بل تم الإبقاء على الباب موارباً لمن أراد العودة شريطة تقديم اعتذار شفاهي أو كتابي وهو عين ماحدث من بعض (( المتفلتين )) الذين قدم نفر منهم مبررات ومسوغات لم تخرج من دائرة (( الحردان )) .. ولم يحصل راصد التقرير على معلومات مؤكدة عما تناقلته مجالس كوستي وربك عن اجتماع مشترك بين عبدالواحد ووفده الزائر وأسماء معروفة من الخارجين على الحزب مع الشنبلي في منزله تمت خلاله تسوية الخلافات والتي تجددت في الآونة الأخيرة على خلفية التكريم الذي أقامته عشيرة الوالي السابق نورالله في حاضرة عاصمة الولاية ربك .. ولم تستحسن قيادات الوطني المركزية وفي مقدمتها الدكتور نافع علي نافع ما يقوم به مخالفو الشنبلي من تحركات تتكئ على سند قبلي لا يلقى إجماعاً من قواعد الوطني بشمال بحر أبيض ..ويدفع نافع باتّجاه التشديد على المخالفين وعدم استسهال مايقومون به من تحركات حتى لا تضعف إرادة الوطني وتعود الولاية الى عهد الخلافات والشكاوي كما درج عليه كباتن بحر أبيض والذين فرضت عليهم تطورات ما بعد الانتخابات الأخيرة اعتزالاً إجبارياً بإرادة جماهير الوطني في قرى ومدن الولاية المختلفة !! .. عندما طوت العربة التي أقلت وفد المهندس عبد الواحد الأرض عائدة الى الخرطوم تنفست قيادة الوطني بالنيل الأبيض بهدوء، ذلك أن الوفد الزائر سيسجل في متن تقريره التنظيمي جملة من الملاحظات الإيجابية في مقدمتها أن رئيس الحزب ووالي الولاية قد أدار المرحلة السابقة بسياسة لاتخلو من ذكاء وحنكة في تهدئة (( اللعب )) ومحاولة التوفيق بين المتناقضات !! .. كما أن التوافق الذي يشهده الوطني في الولاية بين الشق التنفيذي والسياسي حتى الآن على الأقل سيكون دافعاً للمركز لدعم الولاية سياسياً حتى تواجه تحديات مرحلتها القادمة بعد أن صارت الولاية المتاخمة لدولة الجنوب الوليدة ..وهو موقع جديد وخطير يتطلب رؤية مركزية شاملة للتعامل معه من كل الجوانب وبكافة الاحتمالات .. فالسودان كله سيخسر استراتيجيًا إن ترك المؤتمر الوطني النيل الأبيض تواجه قدرها القادم باجتهادات سياسية وتنفيذية تفتقر للعمق المطلوب والدقة المرتجاة في مواقف تاريخية كهذه .. ليس من الإنصاف أن يطلب المركز من الولاية التي تُغالب لتأخذ حظها المهضوم من ثروة السكر ثم لا تجد إلا مخلفات المصانع من الجاسر إلى عسلاية ومن كنانة الى أم دباكر ومن نفط الجنوب إلى المخاليف !!.. إن المؤتمر الوطني في النيل الأبيض قد فعل ما يستطيعه من جهد.. لكن الوطني في شارع المطار سيُعاني إن ترك هذه الولاية تنظيمياً وخدميًا وسياسياً لشيطان القبائل .. والتفاصيل !!