في مدينة الفاشر رائحة تاريخ سلطنات دارفور القديمة والإحساس بمدينة مختلف مذاقها عن سائر مدن السودان وإنسان على طريقته الخاصة يتطلع لمستقبل قادم رغم جدب الأرض ووطأة الحرب وبؤس الحال.. وما بين حزن الفاشر على حال دارفور ومآلات الصراع ومحاولات عثمان كبر والي الفاشر وسلطان زمانها.. نفخ الروح في المدينة والولاية وضعف اهتمام المركز بتنمية شمال دارفور.. تستقبل الفاشر في الأسبوع الواحد أكثر من ثلاثة وفود.. وحينما أطلت وجوه الفاشر وهي تصطف لاستقبال ضيوفها يوم الأربعاء، تساءل السفير عبد المحمود عبد الحليم وهو ينظر من نافذة الطائرة لمطار له فيه ذكريات من كولن باول حتى كوفي عنان و«كوندا» وزيرة خارجية أمريكا التي فيها شيء من ملامحنا وأشياء ليست من أفريقيا.. تساءل كم عدد الأيدي التي صافحها عثمان كبر في السنوات التي أمضاها والياً على الفاشر؟.. بل قال د. عادل كرداوي وكم عدد المتحيزين ضدنا والمشفقين علينا والمتربصين بنا.. لكن عناقاً وترحابا'ً وبشاشة من أهل دارفور استقبلوا بها وفد وزارة تنمية الموارد البشرية. المعضلة العصية منذ حقبة د. الطيب إبراهيم محمد خير الوزير الثوري في الحقبة الثورية.. وما بعد 30 يونيو 1989 ظلت الخدمة المدنية وإصلاحها من القضايا التي استعصى على صناع القرار السياسي والتنفيذي والوزراء المتعاقبين الحصول على وصفة علاجية لداء طالت مدة إقامته في جسد دولة نحيف وهزيل ونخره السوس والفساد.. تم الاستغناء عن الآلاف من جيوش الموظفين تحت شعار «فائض العمالة» والحال يغني عن السؤال.. أعادت الدولة كفاءات من خارج السودان لضخ الحيوية في الجسد المسجى ولكن المغتربين العائدين ذهبوا لتغذية جسم السلطة السياسي والتنفيذي.. لأن الخدمة المدنية ذهب بريقها القديم وما عادت تغري بالاقتراب منها.. رفعت الدولة شعار «حوسبة» المعاملات وتغذية الوزارات والمؤسسات بالتقانة الحديثة.. ولكن الخدمة المدنية ظلت على حالها كالذي «يجمل حماراً للزفاف».. وبقيام وزارة تنمية الموارد البشرية بعد تشكيل ما بعد انتخابات العام الماضي.. دفعت الإنقاذ بأحد شبابها كمال عبد اللطيف.. لوزارة ظنها البعض «جراج» لتخزين قيادي مثير للجدل لفاعليته ونشاطه الذي يخيف البعض.. ورفعت الوزارة ووزيرها شعارات براقة وعزم على النهوض بتدريب وتطوير الإنسان، لكن شكوكاً كثيرة حامت حول القدرة على إنفاذ المهام الكبيرة التي وضعت على عاتق وزارة ولدت لتبقى.. وفي مدينة الفاشر شهدت «آخر لحظة» مشروع تدريب العاملين في الدولة على صعيد الحكم الاتحادي.. وقبل برود حرارة استقبال الفاشر لوزير الموارد الذي حشد ضمن وفده شباب المؤسسات خضر أحمد موسى وعادل كرداوي وإبراهيم شقلاوي والصادق الرزيقي ومحب ماهر.. ومن شيوخ الخبرة البروفيسور حسن عبد النور ود. محمد بشير عبد الهادي، ومن المهن الموسيقية د. عبد القادر سالم، ومن الصحافيين حياة حميدة ومحمد الخاتم وفاطمة غزالي ورافع العبيد وأسامة عبد الماجد وآخرين.. بدأ برنامج يوم طويل في الفاشر بجلسة افتتاحية في مقر الحكومة بمنزل الوالي والمعتمد إسماعيل محمد أحمد عمر يقدم الفاشر لعلماء وخبراء التنمية في لغة رصينة تغذي العقول والوراقين بمعلومات عن 2 مليون نسمة تعداد سكان شمال دارفور، 51% منهم نساء.. و13 مليون رأس من الماشية.. بما يعادل «6» رؤوس من الماشية مقابل رأس من البشر.. وإن عدد المحليات ثماني عشرة.. ولكن عدد معسكرات النازحين «6» معسكرات، وحينما تحدث الوالي قال بحسرة شديدة وفي رسالة بليغة للمركز دون احتجاج يثير الغبار، إن عدد الخريجين من أبناء شمال دارفور يبلغ «27» ألف خريج من عام 2005 وحتى اليوم.. ولم يستوعب منهم إلا «3» آلاف فقط والبقية ينتظرون صندوق تشغيل الخريجين ويتطلعون لمعالجات استثنائية من الخرطوم، لأن الولاية تعيش ظروفاً استثنائية!! 3 قرارات وابتسامة واحدة قال د. عبده داؤود وزير المالية إن الدورة التي نظمتها وزارة تنمية الموارد البشرية وأقيم الاحتفال في ختامها، شهدت تدريب «400» موظف أغلبهم بدون تدريب منذ التحاقهم بالخدمة المدنية.. وأطلق الوزير كمال عبد اللطيف ثلاثة قرارات من الفاشر.. الأول بقيام فرع لأكاديمية السودان للعلوم الإدارية لينهض بأعباء التدريب لولايات دارفور، وصادق الوالي بذات طريقة الإعلان المفاجيء بمباني في مساحة «6» آلاف متر تتألف من ثلاث قاعات ومكاتب.. وقال الوالي إن حكومته مستعدة لتسليم المفاتيح يوم بعد غدٍ الأحد.. القرار الثاني الذي أصدره وزير تنمية الموارد أو الذي كشفه علناً بعد أن كان سراً.. انعقاد مؤتمر قومي للتنمية البشرية في يوليو القادم بمشاركة داخلية وخارجية وإعلان قيام خطة خمسية لترقية الخدمة المدنية وتدريب «40» ألف معلم لمراحل الأساس والثانوي للولايات.. و«200» مليون جنيه لتمويل مشروعات الخريجين بدارفور. وقال عثمان كبر إن ولايته تتطلع لدور مشترك مع وزارة تنمية الموارد البشرية لتحسين بيئة العمل وخلق فرص استيعاب جديدة للخريجين. وزير مع بائعات الشاي طاف وزير تنمية الموارد البشرية على الاتحاد الوطني للشباب السوداني ورابطة المرأة العاملة ونادي العمال بالفاشر.. وفي لفتة بارعة قرر الوزير بصورة مفاجئة زيارة ثلاث من نساء الفاشر يجلسن في جوار وظيفي ويصنعن الشاي والقهوة كمهنة شريفة.. عانق الوزير ثلاثاً من بائعات الشاي بود عميق وجلس على بنبر صغير مصنوع من الخشب والحبال حيث لم تشتهر وتتمدد بعد المقاعد البلاستيكية.. سأل الوزير كمال بائعة الشاي عن سعر رطل السكر فقالت «2» جنيه.. فقال الوزير هل لا يزال الرطل على قيد الحياة.. فقالت المرأة نعم السكر بالرطل ونصف الرطل، وأضافت أنت وزير كبير في الخرطوم جيت (تقعد) أي تجلس.. معاي أنا.. أطلقت زغرودة وأخذت النسوة الثلاث يتسابقن في صنع الشاي للضيوف.. فسألت إحدى النسوة الثلاث عن الأوضاع في دارفور.. نظرت إلى أختها وقالت «عارفة لكن خايفة». انفض مجلس الوزير والنسوة الثلاث بعد تناول فنجان قهوة وحوار تداخلت فيه الاجتماعيات بالثقافة قبل أن يعود الجميع إلى مقر حكومة الولاية. وداعاً للفاشر انفض حفل تخريج المتدربين من ولاية شمال دارفور بحديث سياسي للوزير كمال عبد اللطيف وهو يشدد على تطبيق الشريعة لأنها خيار أهل السودان.. وكشف لأول مرة عن طلبات تلقاها الرئيس البشير من رؤساء دول الأزمات الحالية القذافي وعلي عبد الله وآخرين للعب دور الوسيط بينهم وفرقائهم من المعارضين.. لكن الوزير كمال لم يذهب بعيداً في تفسير ما بعد طلب الدول التي ثارت ضدها شعوبها.. لكنه قال إن البشير رئيس عربي جاء بإرادة شعبه ولا يخاف أو يهاب شيئاً.. وللفاشر نعود!