كلما يحدث تقارب بين حزب الأمة القومي والمؤتمر الوطني تأخذ أحزاب التحالف في (الولولة) و (السكلبة) ولطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بالشر علي الحزب وتصاب هذه الأحزاب بهستيريا لا تشفي منها الا حين يطلق زعيم حزب الامة تصريحات تبعث برسائل تطمينية لهذه الأحزاب . لقاء الخميس بين الرئيس البشير والسيد الصادق المهدي ، أهاج وأغضب أحزاب التحالف فوضعت هذه الاحزاب خيارين لا ثالث لهما أمام حزب الامة القومي ، فاما الانضمام الي تحالف الاحزاب في خندق المعارضة ، واما اعلانه الاصطفاف في صف الحكومة وقال التحالف أن الوقت قد حان لتحديد حزب الأمة القومي لموقفه بشكل واضح لا لبس فيه من القوي السياسية المعرضة ، وأن لا مجال له للمناورة . وحقيقة الأمر أن غضب أحزاب التحالف من مواقف حزب الامة المتأرجحة نابع من ادراك هذه الاحزاب للوزن (الثقيل) الذي يمثله حزب الأمة داخل التحالف بحيث أن وجوده في صفها يجعلها تشعر بأنها تستطيع تحقيق أهدافها ومشروعاتها الهادفة الي الاطاحة بالنظام وعصب هذه المشروعات مشروع اسقاط النظام عبر انتفاضة شعبية ونسبة للجماهيرية التي يتمتع بها حزب الأمة القومي مقارنة بأحزاب التحالف الاخري فان نجاح أو فشل هذا المشروع مرهون بوجود حزب الامة أو عدمه داخل التحالف ، لأن بقية الأحزاب ليس لها أوزان تؤهلها للقيام باتمام هذا المشروع . والحقيقة أن موقف حزب الأمة المتأرجح وغير الثابت كان وما يزال مصدر إرباك ليس فقط لحسابات أحزاب المعارضة ، وانما أيضاً بالنسبة للحكومة التي كثيرا ما احتارت من تبدل مواقف الحزب وتنصله وتملصه من كثير من التفاهمات التي انعقدت بين الجانبين ، ولكنها لم توصد الباب في وجه الحزب أبداً لسببين أساسيين في رأيي ، الأول هو أن حزب الأمة يلتقي مع المؤتمر الوطني في كثير من الرؤى الفكرية ولا يوجد بين الحزبين اختلافات كبيرة بينهما تحول دون الالتقاء أو الدخول في حوارات بناءة بعكس أحزاب أخري خاصة اليسارية منها ، والسبب الثاني هو أن حزب الأمة بمثابة الدينامو المحرك لأحزاب المعارضة وبالتالي فان الحكومة تستطيع تحديد حركة المعارضة والسيطرة عليها عن طريق تقريب حزب الأمة اليها واستخدامه كابحاً حينما تري المعارضة وهي تجِدّ السير في اتجاه المواجهة فتحد من اندفاعها في هذا الاتجاه حتي تتوقف ومعروف عن زعيم حزب الامة أنه سريع الاستجابة لأية إشارات (موجبة) من الطرف الحكومي تصريحاً أو تلميحاً والتجربة تشير الي أنه يؤمن بضرورة وجود شعرة ما تربطه بالحكومة حتي في أحلك ظروف الخصومة السياسية معها وهو فهم سياسي متقدم تفتقده قيادات حزبية أخري تفجر في الخصومة وتعمل بمبدأ العداوة والبغضاء الي يوم القيامة . حالة المد والجزر التي تتصف بها حركة حزب الأمة هي حالة متعمدة يقوم بها الحزب وهو مدرك لوزنه الثقيل وأهميته لدي كل من المعارضة والحكومة وهو احساس بالقوة يجعل الحزب يرسل رسائله بهذا المعني مرة الي الحكومة وتارة الي المعارضة ، فرسالته الي المعارضة مفادها أنكم لا تستطيعون فعل شئ بدون حزب الأمة ، ورسالته الي الحكومة تقول أنني أمسك بلجام الأحزاب و بكل خيوط اللعبة في معسكر المعارضة وأن أي تعاطي مع المعارضة لا بد وأن يمر عبري .. وتأسيساً علي ما سلف فان تهديدات أحزاب المعارضة ولاءاتها التي أطلقتها لا معني لها ستتخطفها الطير أو تهوي بها الريح في مكان سحيق وهي مجرد صرخات يائسة لن تفيد بشئ بل ستؤثر سلباً علي مضي هذه الأحزاب في (استكمال) مشروعها في (إسقاط النظام) فبغير حزب الامة لن تستطيع أحزاب المعارضة إخراج الشارع هذا اذا افترضنا جدلاً أن إخراج الجماهير هو مجرد عملية (ميكانيكية) تعتمد علي الثقل الجماهيري وحده وهو افتراض غير صحيح ، فقد حاول حزب الأمة اللعب بهذه الورقة من قبل مرتين ولكنه فشل ، وكان هذا الفشل مدعاة الي أن يتعامل الحزب مع المشهد السياسي بمنهج عملي وواقعي ومن خلال (الممكن) بعيداً عما يدخل في نطاق (المستحيل) ، بعيداً عن عنتريات المؤتمر الشعبي و دونكيشوتية قطاع الشمال بالحركة الشعبية وقلة حيلة أحزاب اليسار وهوانها علي الناس وسريالية مواقف الاتحادي الديمقراطي وزعيمه الذي يطيل السفر ، في رايي هذا المنهج العملي والواقعي هو الذي سيضيّق المسافة بين الحزب والحكومة ، وفي نفس الوقت يباعد المسافة ما بينه وبين تحالف أحزاب المعارضة.