تصدرت قضية مياه النيل اهتمام القارة الأفريقية والمجتمع الدولي بصفة خاصة.. فتطورات الأحداث والنقلة غير المتوقعة من دول منابع النيل تجاه دولتي المصب السودان ومصر، أدخلت شعوراً من الخوف والقلق على نفوس دولتي المصب مما أربك حسابات هاتين الدولتين.. فبالرغم من أن الاتفاقيات التي أبرمت في السابق والتي حددت حصص المياه بالنسبة لمصر والسودان.. كانت هذه الاتفاقيات محل تقبل ورضاء تام من وجهة نظر الدول السبع التي تسمى دول منابع النيل العليا.. لكن مفاهيم هذه الدول تغيرت وضربت بعرض الحائط العلاقات القديمة التي تربطها بمصر أكثر من السودان.. حيث إن مصر تربطها مع أثيوبيا علاقة دينية بين الكنيستين القبطية بكل من مصر وأثيوبيا، هذا بخلاف أن عدداً مقدراً من أبناء دول المنبع تعلموا في الأزهر الشريف، بالإضافة إلى التبادل الثقافي والتجاري والسياسي المتميز بين دول المنبع ودولتي المصب منذ بداية القرن الماضي وحتى الآن. تمرد دول المنبع على الاتفاقيات السابقة القاضية بتوزيع حصص مياه النيل، أقلق الدبلوماسية السودانية والمصرية.. ولعل فتور العلاقة بين مصر وأثيوبيا زاد من حدة التوتر إلى درجة دفعت بأثيوبيا للميل إلى جانب الدول الأفريقية الأخرى، كما أن غياب الدور التعبوي لمصر والسودان في أوساط دول المنبع، جعل أطرافاً أخرى لها مصالحها وأطماعها.. تجد فرصة ثمينة لتعضيد الموقف وجعل غالبية دول حوض النيل أكثر تشدداً وتطالب بقسمة عادلة لمياه النيل دون إعطاء أي امتياز لأي دولة. لا شك أن قضية مياه النيل والصراع المحتدم الآن بين دول المنبع ودولتي المصب.. أخذ مكان الصدارة في الأجندات العالمية لتحقيق مصالح معينة للدول الكبرى ولتعزيز الدور الصهيوني في المنطقة، الأمر الذي كان خفياً على مصر والسودان، حيث اعتمدتا على مضامين الاتفاقيات المبرمة وكأنها آيات منزلة من السماء واستحالة الطعن فيها.. لكن في الجانب الآخر وجدت دول المنبع الوقت مواتياً لإلغاء هذه الاتفاقيات والمطالبة بصيغة جديدة على حسابات ومفاهيم يمكن للعقل أن يقبلها، فغياب دور فعال ودبلوماسية متحركة عبر الحوار والتفاوض من دولتي المصب، أدى إلى فرض سياسة الأمر الواقع من دول المنبع السياسية التي يباركها المجتمع الدولي، خاصة الدول الكبرى. إن التحرك السوداني المصري الأخير صوب عواصم دول حوض النيل، جاء متأخراً بعد أن تفاقمت الأمور وتعاظمت حملات التعبئة والإغراءات من جهات التمويل العالمية لخلق مشاريع تنموية ومائية على أراضي هذه الدول.. لذا فإن الجهود الجارية الآن لإقناع دول المنبع بتغيير مواقفها ربما ستجد الطريق مسدوداً أمامها.. فهذه التحركات جاءت متأخرة، لذا الأمر يحتاج إلى رسم إستراتيجية جديدة تبنى على لغة دبلوماسية رفيعة دون أي تهديدات أو تراشقات تزيد الأمر تعقيداً.. وإن التلويح باستخدام لغة غير الحوار الهاديء لن يفيد.. بل سيزيد القضية سخونة أكثر.. ويمكن أن يؤدي إلى تهديد الأمن المائي المصري قبل السوداني.. وبالتالي خلق حالة تهدد الأمن والاستقرار في دولتي المصب. عموماً نقول إن كل ما يدور حول قضية مياه النيل من تعنت وتعصب دول المنبع على توزيع عادل للمياه بصرف النظر عن الكثافة السكانية والاحتياجات الفعلية لأي دولة.. تبقى الكلمة والقرار للدولة المؤثرة في القرار المائي.. ولعل بعد وضوح الرؤى تبين جلياً أن السودان هو الصوت المؤثر وصاحب القرار المفصلي لحل قضية مياه النيل بالصورة التي تقبلها كل دول الحوض.. ولماذا السودان؟.. لأنه يتمتع بعلاقات طيبة مع دول الجوار الأفريقي التي تشكل دول المنبع.. وكذلك مع شقيقته مصر التي تربطه معها علاقات أزلية.. ولعل موقف السوداني الأخير بتقديمه مذكرة لاقت قبولاً لدى دول الحوض دليل على ذلك.. وحتماً ستحظى المذكرة بالاهتمام والتقدير الكافي لحيدة موقف السودان من قضية مياه النيل نظراً لاحترامه لكافة الاتفاقية والتعاهدات على المستوى الأفريقي، والآن الجميع يتوقع دوراً فعالاً في قضية مياه النيل بعد أن ثبت للجميع أن مفاتيح قضية مياه النيل بيد السودان.