دول حوض مياه النيل، أو ما يسمى بدول المنبع التي سكتت دهراً، وأخيراً فاجأتنا بما هو غير متوقع.. التمرد بشدة على الاتفاقيات التاريخية لحقوق المياه بالنسبة لدولتي المصب مصر والسودان.. أحدث هذا التمرد دربكة في حسابات الشقيقة مصر بالنسبة لحصتها في مياه النيل.. باعتبار أن مصر من أكبر دول حوض مياه النيل.. وقد منحت حصة أكبر نظراً لكبر حجم مشاريعها الزراعية والمائية، والأكثر سكاناً ومهددة بالانفجار السكاني.. دول أحباس النيل العليا هددت في اجتماعاتها الأخيرة بالغاء كافة الاتفاقيات الخاصة بتوزيع حصص مياه النيل بين دول المنبع والمصب، مما يعني أن هناك أياد سوداء بدأت تدق أسفيناً في رابطة دول حوض النيل.. لذا كان واضحاً أن النبرة التي تحدث بها أعضاء الدول الثماني، هي نبرة لم تكن معهودة في اجتماعات سابقة لدول أحباس النيل العليا.وتم اتفاق أديس بين اثيوبيا ورواندا وكينيا ويوغندا فيما يعرف باتفاق «عنتيبي»،والتوقيع عليه. ويبدو أن مسألة محاصصة مياه النيل التي تجري وراء تحقيقها دولة الكيان الصهيوني، هي التي شجعت دول المنبع إلى المضي في اتجاه إعادة النظر في اتفاقيات توزيع حصص المياه.. وإن دعوة مؤسسة مالية كبرى كالبنك الدولي لتمويل مشاريع مائية كبرى بدول المنبع، كانت من ورائها اسرائيل-، لتضييق الخناق على دولتي المصب مصر والسودان، لارغامهما على الموافقة لمحاصصة المياه، وبالتالي بيعها لاسرائيل عن طريق قناة عبر سيناء وحتى إسرائيل. الأمن المائي بالنسبة لمصر والسودان هو مسألة حيوية، وأن الدولتين تحتاجان إلى حصص أكبر من المياه، نسبة للتوسع المتوقع بكل من الدولتين في المشاريع الزراعية الكبرى.. وحجم سكان الدولتين، فمصر عدد سكانها قرابة الثمانين مليون نسمة، أما السودان قد وصل الأربعين مليون نسمة- حسب تقديرات الاحصاء السكاني عام 2010م للدولتين- وتأتي أهمية السودان كقطر يرى الخبراء أنه أمل العالم في توفير الغذاء. وأكد العلماء أن السودان سلة غذاء العالم، لذا فالسودان سوف يحترم الاتفاقيات الدولية المبرمة بين الجهات، والتي تنظم توزيع حصص الموارد الطبيعية، كالمياه، والثروة البترولية، هذه الموارد التي تشترك في ملكيتها أكثر من دولة واحدة. إن الضغط الممارس من قبل دول المنبع على دول المصب، له آثارة السيئة على العلاقات الثنائية بين دول حوض النيل العشر.. ويرى الخبراء أنه من المستحسن أن تخفف دول المنبع حدة النبرة والتشنج، وأن تعيد النظر في موقفها المتشدد ضد دول المصب.. دون الاعتماد على العنصر الخارجي، الذي يهدف إلى تمزيق النسيج الافريقي بين دول تربطهم روابط تاريخية أزلية.. وعلى دول حوض النيل جميعاً أن تتخذ لغة الحوار والتفاوض ومراعاة مصالح الدول الأعضاء في توزيع الحصص، وأن يتم ذلك طبقاً لمعايير الكثافة السكانية والحاجة الماسة، وليس هناك من الدواعي لتصعيد الخلاف، ليصل إلى مرحلة التدويل، فالدول الافريقية تربطهم رابطة الاقليم وقواسم مشتركة، وأن أفريقيا مازالت القارة البكر المليئة بالموارد الطبيعية.