الحوار الذي يدور في الساحة السياسية لا بد له من أن يفضي إلى نتائج إيجابية لصالح البلد، ولصالح الأجيال الجديدة من أبناء السودان، ولصالح دول وشعوب المنطقة.. ولا يجوز لأي سياسي يعرف دروب السياسة أن يرفض مبدأ الحوار، لأنه ببساطه المدخل الأول لإثبات الجدارة بتقدم الصفوف، ولأنه المدخل الأوحد لخلق التقارب والتفاهم لتحقيق الأهداف، والسلام الذي تحقق بعد نصف قرن من الزمان كان بفضل اتفاق الأطراف بضرورة الدخول في حوار طال أمده أم قصر فإنه بالتأكيد سوف يبلغ مآلاته، إما بالاتفاق الكامل وإما بالاتفاق إلى حد ما.. فقد تحقق جزء من الهدف، وبإعادة الحوار ربما يتحقق الجزء الآخر.. وهذه هي السياسة سلاحها الحوار والجدال، وتداول الأفكار والآراء والوصول إلى النهايات، وعكس ذلك هو استخدام الآلة العسكرية لبلوغ الغايات عندما تغلق كل سبل الحوار والتفاهم بين الساسة والفرقاء.. وتلك قاعدة معروفة ومجربة... فهل نحن بحاجة إلى استخدام العنف لبلوغ غاياتنا السياسية ومجالات الحوار مفتوحة.. وإمكانية التوصل إلى قواسم مشتركة واردة.. وهل نحن بحاجة إلى تقليد الآخرين الذين لم تتح لهم فرص الحوار السلمي.. ولم يحظوا بفرص التحاور عبر صناديق الاقتراع، ولم يمنحوا حتى فرص التنفس في الهواء الطلق... ولم تكن متوفرة لديهم حقوق التنظيم الحزبي، ولم يمنحوا فرص التعبير الحر عن آرائهم أو إمكانهم عبر المنابر ووسائل الإعلام المختلفة!؟ الأوضاع عندنا في السودان غير.. والأجواء غير.. الأحزاب بسم الله ما شاء الله بالعشرات، بينما في بريطانيا ثلاثة وفي أمريكا اثنان.. الصحف عندنا فوق الثلاثين- أقصد السياسية وذوات الاتجاهات المختلفة- والحوار عبرها يومي عبر أجندات الأخبار، وسياسات التحرير وأعمدة الرأي الحديث لمختلف الوسائل، وبمختلف الرؤى موجودة ومتوفرة.إذن فإن أجواء الحوار متوفرة والحزب الحاكم يفتح ذراعيه لمن يؤمن بالحوار ويسعى لصالح السودان ووحدته، أمنه، استقراره، ومن يؤمن بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وتحقيق إرادة الشعب السوداني المتمثلة في الاستقلال في قراره وعدم الارتهان لأجندة الخارج وحقه وعدم فتح أي مجال للسباحة، عكس التيار الذي يؤمن به شعب السودان.إن الأحزاب السياسية السودانية بحاجة إلى التغيير في سياساتها وفي هياكلها.. وفي قياداتها، هي بلا استثناء بحاجة إلى التغيير الداخلي وضخ دماء جديدة قوية واعية مثقفة إلى شرايينها، حتى تكتسب العافية وتكون قادرة على الحركة والتفكير وخدمة قضايا الوطن.. وعلى الأحزاب السياسية التي تريد أن تربطنا بالحركة الشعبية بعد استقلالها واحتضانها لإسرائيل في أراضيها، عليهم أن يعيدوا تفكيرهم، وعليهم أن يعلموا أن الشعب السوداني وقد حدد وجهته منذ أن عرف نظام الدولة الحديثة في القرن التاسع عشر، وقاوم المستعر بكل صوره وأشكاله، ولن يقبل باستعمار جديد يأتيه من عمق القارة الأفريقية بصبغات مختلفة.. ولذا من الأفضل لأحزابنا السياسية أن تحقق الحد الأدنى من التفاهم والاتفاق، كأن نتفق على الشريعة الإسلامية الثابته جذورها في أعماق الأرض السودانية، والعالية فروعها لعنان السماء.. وأن يتوافقوا على الثابت الثاني الذي هو وحدة بلادنا وأمنها واستقرارها.. باستثناء هذين الثابتين فلتكن الأبواب والنوافذ مشرعة ومفتوحة نتداول عليها ونتفق ونختلف.. وأفضل الاكتفاء بالاتفاق ولنلغي خيار الاختلاف لأنه يجلب الشقاق.. والضعف.. والفشل وزوال الفرص وضياعها.ونحن في حالة التشفي السياسي هذه تنتهز إسرائيل الفرص وتضاعف من جراحاتنا، وتضيق علينا فرص النهضة باستباحة سادتنا وفضائنا الخارجي.. وهي في الحقيقة تبحث عن مصالحها بل حتى أمريكا التي تسلط علينا نيران عدائها، وصواريخها الموجهة انتهكت سيادتنا ليس بالبحر الأحمر، وإنما في الخرطوم العاصمة في إشارة واضحة إلى أننا تحت أبصارهم وفي مدى ملاحقاتهم، إذا أضيرت مصالحهم مع مواقفنا.. والسياسة الخارجية لأي دولة في عصرنا الحاضر تقوم على المصالح ابتداء، غير أننا لا نستطيع أن نضحي بمبادئنا لصالح الحفاظ على مصالحنا.. إذاً إزاء هذه المعادلة الصعبة التي استعصى علينا فك رموزها أن نوازن ما بين المبادئ والمصالح.. وينبغي علينا ألا نقف مكتوفي الأيدي والأعاصير تقصف بنا.. ولا ينبغي أن ننظر إلى إحدى هاتين المسألتين بمعزل عن الأخرى. وبما أننا نعيش في عالم مادي يبني كل حركته على المصالح فلنكن مثل الاقتصاد الإسلامي الذي ينتهج طريقاً وأسلوباً وسطاً ما بين الليبرالية المطلقة التي أثبتت التجارب فشلها والاشتراكية التي تركها أصحاب فطرتها طوعاً واختياراً قبل عقدين من الزمان وبعد تجربة استمرت لسبعة عقود كاملات.أمريكا تمكنت من تجاوز آمادنا الإدارية وأرسلت صواريخها، ودكت مصنع الشفاء للدواء ونحن ننظر إليها.. بل كنا نغالط أنفسنا ما إذا كانت صواريخ ذكية أم طائرات.. وقوى دولية تمكنت من إرشاد قوات خليل البكماء التي لا تعرف أمبدة من الرياض حتى بلغوا أحياء أم درمان.. واليوم اسرائيل استخدمت أسلوبها المعروف والمتفرد في اغتيالات قيادات حماس وناشطيها في أي مكان وأي زمان (الشهيد المبحوح في أحد فنادق دبي، المغنية في سوريا، شفيق الحريري في لبنان).. وغيرهم من قيادات حماس، استطاعت أن تخترق سيادتنا وتقصف من تلاحقهم وبذات الأسلوب.. اسرائيل استطاعت ومن خلال شركات العلاقات العامة أن تفرض على القاضي الجنوب أفريقي أن يغير أقواله في التحقيق في الحرب غير المتكافئة والكيميائية ضد مواطني غزة.. واستطاعت أن تقتل قضية الاعتداء على الباخرة التركية والاعتداء عليها في المباديء الدولية، وقتل نشطاء مدنيين لا يحملون أسلحة.. إذن نحن نعيش في غابة وحوشها الكاسرة وملوك الدول الاستعمارية وربيبتها اسرائيل.. سماواتنا مفتوحة وسيادتنا نحن وجميع الدول الأفريقية والعربية منتهكة ومستباحة عبر الأقمار الاصطناعية التجسسية.. فلا عاصم لنا إلا الله. ولا حامٍ لنا إلا وحدتنا وإيماننا وتماسكنا لأن العدو يتسرب إلينا داخلنا وبعض سياساتنا القائمة على حسن النوايا والبساطة.. فلابد إذن أن نغير أحوالنا (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ثوروا على التقليدية والمجاملات.. فإسرائيل تقبع على جزر دهلك في سواحل البحر الأحمر.. لماذا.. واعتقد أن الاعتداء والانتهاكات التي تكررت بصورة متسارعة تدعونا للعمل على طرد هذا العدو من على هذه الجزر مهما كان الثمن، وإلا فسوف نواجه المخاطر والمهالك.