تابعت باهتمام شديد ندوة لقناة «المحور» المصرية ضمن برنامج «90 دقيقة» حول مصر ودول حوض النيل، شارك فيها كل من المهندس الشاب أحد ناشطي الثورة المصرية حمدي الجندي والمهندس مجدي الطحان ورجل الأعمال المصري أحمد بهجت صاحب قناة «دريم» التلفزيونية، تمحور الحديث فيها حول العلاقات مع دول الحوض والكيفية التي كانت تدير بها مصر تلك العلاقات وحاجة مصر الشديدة للماء والغذاء والتنمية، التي أجمع المشاركون في الندوة أنها لن تتحقق إلا بتيميم مصر وجهها شطر الجنوب. ابتدر الحديث حمدي الجندي، الذي قال إنه قاد أخيراً وفداً من شباب الثورة المصرية وبعض رموز العمل السياسي المصري إلى يوغندا، شارك فيه عضو لجنة تنسيق ائتلاف ثورة 25 مايو أسامة الغزالي حرب ورئيس حزب الغد أيمن نور ورئيس حزب الكرامة حامدين صباحي وآخرون، وقال إن الوفد لقى ترحيباً حاراً من قبل المسؤولين في يوغندا إذ أحاطت أعضاءه بكرم فياض، وأن الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني التقى بأعضاء الوفد في حوار مفتوح حول علاقات مصر بيوغندا وأفريقيا وقضية مياه النيل، وأوضح الجندي أنه قال للرئيس اليوغندي أنهم يجب أن لا ينزعجوا مما يصدر عن بعض المسؤولين المصريين من حديث متشدد حول حصة مصر وحقها التاريخي المكتسب في مياه النيل، لسبب بسيط هو أن كل دول حوض النيل جنوباً وشرقاً ووسطاً تملك مصادر أخرى للمياه تكفيها للزراعة والشرب والصناعة، ماعدا مصر التي لا تملك غير مصدر أساسي ووحيد للمياه هو النيل، وإذا ما افتقدت هذا المصدر أو قلَّ إيراده فإن حياة الإنسان المصري تصبح معرضة للخطر، ما يجعل علاقة مصر بالنيل تدخل في صميم «حقوق الإنسان» وليس فقط مسألة حقوق تاريخية أو مصلحة اقتصادية، وقال إن الرئيس موسيفيني تفهم وجهة نظرهم و عبَّر عن سعادة بالغة للروح الجديدة التي سادت في مصر بعد الثورة، وأبلغهم أنهم كانوا يتعاملون بتشدد في قضية مياه النيل لأن الحكم في مصر لم يكن مهتماً بالعلاقات المصرية الأفريقية، وأنهم لم يلجأوا إلى استعادة علاقتهم مع إسرائيل إلا بعد إبرام مصر لاتفاقات كامب ديفيد وعقد معاهده الصلح مع إسرائيل، وتواتر الحديث عن نية مصر بتزويد إسرائيل بالمياه، وأبدى موسيفيني استعداد بلاده لكل أشكال التعاون مع مصر الجديدة. وتحدث كلٌ من بهجت والطحان عن أهمية العلاقات مع السودان، وعن أن مصر لا سبيل لها للنهوض والتنمية واللحاق بالعصر إلا من خلال التعاون الوثيق مع السودان وأثيوبيا وباقي الدول الأفريقية، ونبها للسباق الدولي بين الصين والولايات المتحدة والهند من أجل الفوز بالموارد البكر التي تزخر بها القارة، وأن مصر بحكم ما يتوفر لديها من خبرات فنية وإمكانيات مالية وأيدى عاملة وفيرة يمكنها عبر التعاون الوثيق مع دول القارة، ودول حوض النيل بشكل خاص وفي مقدمتها السودان، أن تقود تنمية ونهضة زراعية وصناعية جبارة لصالح مصر ولصالح هذه الدول التي تشكل جزءً لا يتجزأ من أمنها القومي ومجالها الحيوي الإستراتيجي، وأن على مصر أن تتجه جنوباً- كما قال أحمد بهجت- لأنها لن تجني شيئاً من اتجاهها شمالاً، لا من إيطاليا ولا ألمانيا ولا إنجلترى، ورأى بهجت، الذي له مبادرات شخصية - كرجل أعمال- في الاستثمار بالسودان وأثيوبيا وبعض الدول الأفريقية الأخرى، أن الفرص متاحة وواعدة بخير كثير إذا ما اقتنع المصريون بأهمية وحيوية التوجه جنوباً، من منطلق التعاون وليس بنية الاستغلال ، فشعوب هذه الدول الأفريقية كما قال «واعية ومتعلمة وفاهمة» وتعرف حقوقها، وأكد على حقيقة مهمة شاركه فيها المهندس الطحان، هي أن هذه الشعوب في السودان وأثيوبيا ويوغندا وغيرها من دول الحوض والدول الأفريقية تفهم مصر وتعرف عنها كل شيء، بينما المصريون عموماً لا يفهمون إلا القليل عن هذه الشعوب وتاريخها وعاداتها ولغاتها، وربما كان ذلك ضمن الأسباب التي دفعت بصناع القرار في الحكومات المصرية المتعاقبة، منذ رحيل عبد الناصر، لإهمال أفريقيا. وكانت مصر في وقت سابق خصوصاً في عصر عبد الناصر، تولي أفريقيا اهتماماً بالغاً ووقفت في تلك المرحلة تساند وتدعم حركات التحرر الأفريقية من الاستعمار، وأبلغ دليل على ذلك أن العديد من عواصمها أسمت بعض أهم شوارعها على اسم عبد الناصر امتناناً واعتزازاً بدور مصر الريادي في قضايا التحرر الوطني. وتحدث المشاركون في الندوة بعد ذلك عن مبادرة دول الحوض الأفريقية، وضرورة التعامل معها بدون حساسية أو بروح المحاصصة، وأوضح المهندس المائي الجندي استعداد هذه الدول للمضي في التعاون المشترك لمصلحة الجميع، خصوصاً إذا ما أحست هذه الدول أن النظرة المصرية الضيقة قد اختفت وأن مصر تقبل عليهم بروح جديدة ملؤها الرغبة في التعاون وتبادل المنافع، وقال بهجت في هذا المقام لماذا أصرف المليارات لاصطلاح الصحراء في مصر وشق القنوات وتأسيس الرافعات إذا كان بإمكاني من خلال اتفاقات للتعاون مع السودان- مثلاً- أن أزرع ملايين الأفدنة الصالحة للزراعة وأصدر انتاجها خلال يوم أو اثنين إلى مصر، وأضمن تشغيلاً للأيدي العاملة المصرية والسودانية التي تعاني البطالة في البلدين. أما بخصوص «سد الألفية» الذي تنوي أثيوبيا إنشاءه قرب الحدود السودانية، فقد رأى الجندي أن هذا السد يمكن أن ينشأ عبر التعاون المشترك بين مصر والسودان وأثيوبا، ويوفر قدراً كبيراً من الكهرباء لبلدان المنطقة، وأنه لن يحبس سوى ثمانية مليار متر مكعب من المياه ليست على حساب حصة مصر البالغة 51 مليار بحسب اتفاقية 1959م، وأوضح أن أثيوبيا والسودان مستعدتان للتعاون في مثل هذا المسعى. خرجت من تلك الندوة التلفزيونية المهمة بأن مصر قد تغيرت بالفعل، وأن نظرة جديدة لأفريقيا والدنيا من حولها بدأت تأخذ طريقها إلى الفكر والعمل، وأهم ما في تلك النظرة هو الوعي بحقائق الجغرافيا والتاريخ والإجابة على السؤال التاريخي: أين تكمن مصالح مصر الكبرى، والذي يجمع المصريون الآن على إجابة وحيدة له بأن تلك المصالح تقع جنوباً وتسري وتجري مع مجرى النيل من منابعة حتى تبلغ المصب الذي هو مصر.