لم استغرب تأكيد خبر استقالة الأستاذ غسان بن جدو من موقعه في قناة الجزيرة، وخروجه من باب الاعتذار النبيل، بأن قناة الجزيرة قد سقطت في وحل الأجندة السياسية، وغاصت في وحل تصفية الحسابات السياسية حتي ( زووم)، كاميراتها وملاحقاتها التي طالما جذبت وشدت ملايين المشاهدين، من عالمنا العربي والإسلامي وملايين أمثالهم من الذين كانوا يمنون أنفسهم بحقبة جديدة من الإعلام المهني الصادق، حتي تبخر هذا الحلم على سطح (صاج) الثورات التي انتظمت عالمنا العربي والإسلامي، وكان لقناة الجزيرة قصب السبق والريادة في التعبير عن أحلام شعوب المنطقة في التغيير وفق رغباتها وأحلامها، قبل أن يتحول وقود هذه الثورات العظيمة الى أداة حرب توظفها دولة قطر ببراعة تحسد عليها، يعاونها في ذلك ثلة من الأخوة والأساتذة الإعلاميين الذين يتضح الآن انهم مجبرون على العمل ضد قناعاتهم حتى لايفقدوا وظائفهم في مؤسسة إعلامية ضخمة مثل الجزيرة! نعم تقدم غسان بن جدو باستقالته وبرر ذلك بكون قناة الجزيرة قد خرجت من كونها وسيلة إعلام، وتحولت الى غرفة عمليات للتحريض والتعبئة.. وأضاف إنه لا يقبل أن يتم التعاطي بكثافة وتسليط الضوء على ليبيا واليمن وسوريا، ولا تتم الإشارة من قريب أو بعيد للبحرين برغم وجود ضحايا ودماء تسيل!! عندما كانت الثورة المصرية في عنفوانها، هاتفت أخاً عزيزاً بمكتب قناة الجزيرة في الخرطوم ونقلت له ملاحظاتي المهنية على طريقة تعاطي الجزيرة مع مايجري في ميدان التحرير، وتكرار مراسليها ومقدمي الأخبار لعبارة (النظام المصري).. قلت له إن هذه العبارة ذات ظلال سياسية ليس مكانها متن الأخبار وتقارير القناة، ولكن محلها مساحة الفرص التي تعطونها لأصحاب الرأي الذين يرون في حكم حسني مبارك مجرد نظام، بينما يراه آخرون (منظومة) لها الحق في حكم مصر وإن طال الظلم والسفر. عززت مهاتفتي هذه بالطريقة التحريضية التي يتحدث بها الأستاذ جمال ريان، والذي نسي تماماً أنه مذيع لكل الناس، وليس متظاهراً في ميدان التحرير.. اتفقنا واختلفنا في تلك المحادثة، ومن نقاط اتفاقنا ماذكره لي بأن الأستاذ جمال ريان قد تعرض لمحاسبة فورية، وتم لفت نظره لعدم تكرار طريقة تفاعله مع أحداث مصر أو غيرها من القضايا.. سقط حسني مبارك.. وبدأ من بعد هذا الحدث التاريخي أن قناة الجزيرة بدأت في انتهاج خطة وتنفيذ أجندة ذات صلة بموقف قطر وخلافاتها مع بعض الدول العربية.. وخير مثال لهذا ما يحدث الآن في سوريا، حيث تصاعدت التغطية المنحازة لما يجري في سوريا بعد رفض الرئيس السوري استقبال وزير خارجية قطر.. واتضح هذا جلياً من موقفها تجاه أحداث اليمن وليبيا، حيث درجت الجزيرة على التعاطي مع مايجري في عواصم هذه الدول وكأنها قناة تتبع للمعارضة، وليست وسيلة إعلامية كان بامكانها طرح تفاعلات هذه الأحداث عبر قوالب برامجها الحوارية والإخبارية المختلفة لا أن تسلط شاشتها على أحداث التوتر في عالمنا العربي، وكأن كل مدننا العربية تعيش حالة من الغليان والثورة، لم تقل لنا القناة ذاتها كيف تتم (عقلنة) هذه الاحتجاجات المشروعة وتوظيفها، بدلاً من التركيز عليها بصور ظلت حتى وقت قريب محرمة على البث عبر شاشة القناة، بدوافع مهنية صارمة، حتى غلب السياسي على المهني، فتحولت الجزيرة الى محطة إخبارية تبث كل شيء، واي صورة وحديث يشعل فتيل الخراب في عواصمنا التي اثقلتها الجراح وهدتها المحن!! حزين أنا لما آلت إليه الأمور في قناة الجزيرة، فقد ضاع حلمي في محطة تلفزيونية عربية، تلتزم حقاً بشعارها الخالد الرأي والرأي الآخر، ولكنها وتحت ضغط الأجندة تحولت الى وسيلة ضغط سياسية، ينفذ أجندتها صحفيون خرجوا من رحم المعاناة في الإعلام العربي، لتحاصرهم محنة فقد وظائفهم إن جاهروا بانحراف قناتهم عن خطها المرسوم خارج استديوهاتها الرئيسية بالدوحة.