يتجه العالم الآن، أو النخب الحاكمة المتعلمة، إلى تطبيق نظرية مفادها (جيش صغير لكنه كاسح) أو بعبارة أخرى تطبيق نظرية يمكن أن نطلق عليها نظرية الجيش الذكي، والذي يعتمد على تزويد القوات المسلحة بأجيال جديدة من الأسلحة، والمعدات، تؤمِّن الخفة، وحرية الحركة، والحشد النيراني المكثف المركز على الهدف، والإصابة دون خطأ، إضافة إلى الأجهزة الحديثة الخاصة بالكشف عن الخبايا، والخفايا، والمعلومات، مع القدرة الفائقة على نقل المعلومات وتبادلها داخل الميدان، أو بين الميدان ومركز القيادة. الجيش الذكي أصبح الآن هو حلم القيادة الذكية، وتطلُّع الشعب الذكي، وتكوينه يرتبط بثورة المعلومات، والاتصال، والتكنولوجيا الحديثة، القادرة على التحكم في مسار المعارك والحروب، إلى جانب تصنيع الأسلحة الذكية. بلادنا الآن أخذت تغذّ السير في طريق تحديث الجيش، وقد رأيت ما رأيت ليلة الاثنين الأول من أمس، في صحراء العتمور، وتحديداً في منطقة (المحيلة) شمالي شرق مدينة مروي بالولاية الشمالية، وهي منطقة كانت تتيه فيها القوافل والدواب والسيارات، أقول: رأيت كيف أصبح جيشنا ذكياً، عندما كنت شاهداً على ذلك من خلال مهرجان الرماية الجوية الليلية التعبوية الثاني، أو ما اصطلحت أجهزة الإعلام على تسميته ب (المناورة الليلية)، عندما لبيت دعوة كريمة من وزارة الدفاع الوطني، ووزيرها الذكي الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين، لأكون شاهداً على هذا الحدث المهم، في رفقة السيد المشير عمر حسن أحمد البشير، رئيس الجمهورية، القائد العام للقوات المسلحة، وكل قيادات القوات المسلحة السودانية، ممثلين في رئيس وأعضاء هيئة الأركان المشتركة، ورئاسة أركان القوات الجوية، والدفاع الجوي.. وقد شهد هذا العمل الكبير، والإنجاز، الذي أحسب أنه نتاج العبقرية العسكرية السودانية، لأن الأسلحة والطائرات والمدافع التي استخدمت في مهرجان الرماية الجوية، كانت في أكثرها صناعة سودانية. شاهدت وشاهد غيري من شهود تلك الليلة (الحمراء) بوهج المدافع، ومن القاذفات، كيف تحول ليل الصحراء إلى نهار، وكيف أحالت أصوات المهللين والمكبرين هدوءها الأزلي إلى ضجيج اقترن بأصوات الطلقات، ودك حصون العدو الوهمية، وتدمير طائراته المرصودة عن طريق الرادارات الحساسة، تدميراً تاماً بحيث لم تخطئ المدافع الموجهة وفق قراءات الحواسيب الخاصة. بالأمس شهدت كيف أخذت قواتنا المسلحة في تطبيق نظرية الجيش الذكي، من خلال الطائرات الخفية، والخفيفة، والطائرات من غير طيار، ومن خلال الصواريخ الحديثة، وأنظمة القيادة، والسيطرة الآلية، واستخدام الأقمار الصناعية في تحديد المدافع على الكرة الأرضية، أو ما يعرف بال (GPS)، ونظم إدارة المعلومات الحديثة، ونظم الإخفاء والخداع، والحرب الالكترونية، والمستشعرات فائقة الحساسية. كانت ليلة أشعرتنا بالفخر والثقة، والقوة والإيمان، خرجت بعدها بصديقين جديدين هما سعادة اللواء الركن النعيم خضر مرسال، مدير إدارة الشؤون العامة في القوات المسلحة (المراسم)، والعميد الركن هاشم عبد المطلب، من إدارة شؤون الضباط، حيث كانت جلستنا إلى جانب بعضنا، في رحلة العودة من هناك إلى جنب منسق هذه الرحلة للصحافة والإعلام، المقدم الدكتور فتح الرحمن الجعلي، والأستاذين: النور أحمد النور، وأحمد عبد الوهاب، ورحاب طه. نزلنا من الطائرة ودواخلنا تصفق، وأرواحنا تهفو وتهتف: «الله أكبر والعزة للسودان».