أدى اندلاع الثورة المصرية في يوليو 1952م إلى تغيير جذري في سياسة مصر نحو السودان لأن الحكومات الملكية أصرّت على ألاَّ تفصل بين الاحتلال البريطاني لقناة السويس وبين مسألة السودان في أي مفاوضات مع الحكومة البريطانية، بمعنى أن السودان كان الصخرة التي تتحطم عليها المفاوضات المصرية الإنجليزية. وأبدى النظام الثوري المصري بقيادة الرئيس محمد نجيب مع المحرك والمدبر والمخطط للثورة (جمال عبد الناصر) استعداده لمناقشة مسألة السودان بمفردها مع بريطانيا ،ثم أن الثورة المصرية قبلت مبدأ الحكم الذاتي للسودان وحق السودانيين في تقرير مصيرهم وقد ضُمِّنَت هذه المبادئ في اتفاق عقدته مصر في يناير 1953م مع الأحزاب السياسية السودانية الثلاثة: حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي ثم الحزب الجمهوري الاشتراكي. وازاء هذا الموقف الموحد بين مصر والأحزاب السودانية لم تجد بريطانيا مخرجاً سوى أن تعقد مع مصر في 12 يناير 1953م الاتفاقية المصرية الإنجليزية الخاصة بالحكم الذاتي، وقد نصَّت الاتفاقية على /1 إقامة حكم ذاتي كامل في السودان يمتد لفترة انتقالية مدتها ثلاث سنين يتم خلالها إنهاء إدارة الحكم الثنائي. 2/ منح حق تقرير المصير للسودان على أن يختار السودانيون عقب الفترة الانتقالية وفي جو محايد بين الاستقلال التام عن كل من مصر وبريطانيا أو الاتحاد مع مصر. 3/ أعلنت الحكومتان المصرية والإنجليزية حرصهما على وحدة السودان. كونت الاتفاقية ثلاث لجان لجنة الحاكم العام - لجنة الانتخابات- لجنة السودنة. ومن اختصاص لجنة الحاكم العام مشاركة الحاكم العام السير (روبرت هاو) في ممارسة بعض السلطات الاستثنائية التي أعطيت له خلال الفترة الانتقالية وشكِّلت من السادة: السيد إبراهيم أحمد والسيد الدرديري محمد عثمان ممثلين للأحزاب السودانية والسيد حسين ذو القفار صبري ممثلاً لمصر والسير جرانت سميث ممثلاً للحكومة البريطانية ورئيس اللجنة العضو الباكستاني السيد ميان ضياء الدين. كما كونت لجنة الانتخابات لتعد البلاد للانتخابات لإقامة الحكم الذاتي وشكلت من سبعة أعضاء برئاسة العضو الهندي(سوكمارسن) وقد أشرفت على عملية الانتخابات العامة التي أجريت في نوفمبر وديسمبر 1953م وقد فاز الاتحاديون بأغلبية مقاعد مجلس النواب وتم اختيار السيد بابكر عوض الله رئيساً لمجلس النواب بالاجماع. وكان أول زعيم لمجلس النواب هو السيد مبارك زروق كما كان أول زعيم للمعارضة السيد محمد أحمد محجوب. وبعد انتخاب رئيس مجلس النواب كان على المجلس انتخاب رئيس مجلس الوزراء وانتخب المجلس في جلسة 6 يناير 1954م السيد إسماعيل الأزهري رئيس الحزب الوطني الاتحادي أول رئيس لمجلس الوزراء وفي نفس اليوم أصدر الحاكم العام السير روبرت هاو أمراً بتعيين السيد إسماعيل الأزهري رئيساً لمجلس الوزراء ومن ثم تقدم الأزهري بقائمة اسماء وزرائه للحاكم العام الذي أصدر قراراً بتعيينهم في اليوم التاسع من يناير 1954م وبذلك أعلن الحاكم العام أن هذا اليوم هو اليوم المعين الذي تبدأ فيه فترة الانتقال. وأما لجنة السودنة فكان هدفها سودنة الوظائف وفي فبراير 1954م باشرت اللجنة أعمالها وتمت سودنة الوظائف في الخدمة المدنية والإداره والبوليس وقوة دفاع السودان وكان أول قائد للجيش السوداني هو الفريق أحمد محمد (وقد أكملت اللجنة عملها وأخطرت مجلس النواب بذلك في أغسطس 1955م) ومن أعضاء اللجنة أبوعكر ومحمود الفضلي. وقد واجهت الحكومة السودانية مشاكل، أهمها مشكلة ايجاد الفنيين ليحلوا محل الموظفين البريطانيين الذين سودنت وظائفهم، بالإضافة إلى حوادث أول مارس 1956 الدامية التي راح ضحيتها عدد من المواطنين الأبرياء وحدثت الأحداث بمناسبة زيارة الرئيس المصري محمد نجيب للسودان لحضور افتتاح البرلمان السوداني رسمياً في دورته الثانية وكان في استقباله الرئيس (إسماعيل الأزهري) وكان قائد أول قرقول الشرف السوداني (الصاغ الزين حسن الطيب) من سلاح المدفعية بعطبره ثم وقعت حوادث التمرد بالمديريات الجنوبية وقد راح ضحيتها عدد كبير من المواطنين 1955م. وفي 27 ديسمبر 1955م انتخب البرلمان خمسة من رجالات السودان البارزين ليكونوا أعضاء لأول مجلس سيادة في السودان يحل محل الحاكم العام. والأشخاص الخمسة الذين تم انتخابهم منهم أربعة يمثلون الأحزاب الشمالية أما العضو الخامس فكان من أبناء الجنوب وهو السيد(سير سيوايرو)ثم أحمد محمد صالح والدرديري محمد عثمان ثم عبد الفتاح المغربي ثم أحمد محمد يسن. وفي أول يناير 1956م تم الاستقلال(استقلال السودان الحبيب) وتم إنزال العلمين البريطاني والمصري على يد السيد إسماعيل الأزهري والسيد محمد أحمد محجوب وهذا دليل على اتحاد الحكومة والمعارضة، وتمَّ رفع علم السودان ذو الألوان الثلاثة (الأصفر، والأزرق، والأخضر) إيذاناً بإعلان ميلاد الجمهورية السودانية. وشهد التاريخ على صدق وعزم الآباء وسيشهد التاريخ على وفاء أبناء السودان جميعاً على تطور ووحدة السودان الحبيب. معلم ثانوي بالمعاش