الذكرى السادسة والخمسين من تاريخ استقلال البلاد فجر السودان الباذخ لهي وقفة مع التاريخ والنفس وسانحة لجرد حساب الأيام والسنين وأين نقف الآن في الخارطة العالمية ومحيطنا العربي والإفريقي، مجاهدات الآباء والأجداد حريٌ بنا المحافظة عليها وإبراز مكنوناتها ومكنوزاتها واجترار سيرتها العطرة لتكون نبراساً وسراجاً ينير عتمة ظلمة الزمان والمكان لتسمو البلاد والعباد لمراقي النهضة والتقدم لإحداث طفرة مرحلية ونقلة نوعية في مختلف المجالات التنموية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لبناء دولة شامخة وقوية متماسكة، تعلو فيها قيم البذل والعطاء والوطنية الحقة الصادقة، وتخرس فيها أصوات البنادق والمدافع ويستعاض عنها بالجلوس لطاولة المفاوضات وإجراء حوارات بناءة فيما أشكل على الأطراف وطرح الرؤى والأفكار الجريئة والتمسك بالثوابت الوطنية، وإبعاد الملفات والوساطات الخارجية التي لم نجنِ منها غير تدويل قضايانا وتعقيد مسارات حلها، والعمل الجاد المثمر حكومة ومحكومين ومعارضة على رفعة هذا الوطن الذي يستحق من الجميع التواضع والتوافق والإلتفاف حول رايته العالية الخفاقة لتنعم البلاد بالأمن والسلام في جميع ربوعها وصولاً لرفاهية شعبها الأبي، «الإنتباهة» جلست إلى الأستاذ إسماعيل دلوك الباحث والناشط السياسي من الرعيل الأول الذين شهدوا إعلان استقلال البلاد من البرلمان لنجتر معه جزءًا من ذكريات تلك اللحظات التاريخية من عمر الزمان المديد، حيث قال للحديث عن استقلال السودان لا بد من الطواف قليلاً حول اتفاقية الحكم الذاتي 12/ فبراير 1953م حيث وافقت الدولتان مصر وإنجلترا على منح الحكم الذاتي للشعب السوداني وأكدوا حرصهم على وحدة السودان والجدير بالذكر كان لثورة يوليو 1952م في مصر بقيادة محمد نجيب دور كبير في إنجاح الاتفاقية، تكونت ثلاث لجان لتنفيذ الاتفاقية.. لجنة الحاكم العام بعضوية الدرديري محمد عثمان وإبراهيم أحمد من الأحزاب وحسين ذو الفقار من مصر ومستر قراند سيمس من بريطانيا وضياء الدين من باكستان وكان يشغل منصب معاون الحاكم العام ومهمة اللجنة وضع الأسس لاختيار مجلس السيادة. قيام لجنة الانتخابات العامة لتنفيذ الاتفاقية وتكونت لجنة برئاسة مستر سكومارسن وعضوية بريطاني وأمريكي وسودانيين في سنة 1953م للقيام بمهام الانتخابات في السودان وقد تم قيام أول انتخابات في ديسمبر1953م ووزع السودان على 97 دائرة انتخابية منها 68 دائرة مباشرة والبقية دوائر غير مباشرة، وفاز الحزب الوطني الاتحادي ب 51 مقعداً في البرلمان وكون حكومة بأغلبية مطلقة ولحزب الأمة 22 مقعداً وبقية القوى إلى جانب الأحزاب الأخرى من الجنوبيين والأحزاب الصغيرة 17 مقعدًا.. وانعقدت الجلسة الأولى للبرلمان في 1/1/1954م وفي يوم 9/بناير/ 1954م تم تشكيل الحكومة الوطنية الأولى برئاسة السيد إسماعيل الأزهري وكل ذلك في إطار اتفاقية الحكم الذاتي واصبح الحاكم العام هوالسلطة العليا وكون الرئيس الأزهري الحكومة الوطنية الاولى. وفي الجلسة رقم « 43» 19 ديسمبر1955م في صباح 19/ديسمبر1955م حضر النواب مبكرين إلى البرلمان وتم الإتفاق على تقديم الاقتراحات من صفوف الأحزاب الخلفية لإجازة المقترحات التي قُدمت لمجلس الوزراء لإجازتها بواسطة البرلمان.. وهي أن تعطي الجمعية التأسيسية القادمة عند وضع الدستور طلب الجنوب لقيام حكم فيدرالي للمديريات الجنوبية الثلاث.. الاعتراف باستقلال السودان فوراً. قيام مجلس رأس دولة سوداني من داخل البرلمان بديلاً للحاكم العام. قيام جمعية تأسيسية منتخبة ديمقراطياً لإقرار الدستور والقوانين. «كل هذه الاقتراحات تمت صياغتها في يوم 18/ ديسمبر1955م بسرايا الحاكم العام وتمت ترجمتها إلى اللغة العربية والإنجليزية بحضور ممثلي الأحزاب» وقد وافق الحاكم العام المكلف على المقترحات. في ذات الجلسة جلسة البرلمان في 1/1/ يناير/ 1956م وفي ذلك الصباح الباكر الجميل 1/1/1956م يوم الأحد حضر نواب البرلمان وحضر رئيس وأعضاء مجلس الشيوخ وقيادة الأحزاب السياسية جلسة البرلمان وقدم في الجلسة اعتراف جمهورية مصر وإنجلترا باستقلال السودان وشكر الرئيس أعضاء البرلمان على التماسك من أجل السودان وخرج الموكب المهيب الرهيب من مجلس النواب إلى سرايا الحاكم العام.. وبعد حفل بسيط بمثابة وداع الحكم الثنائي الذي جثم على ظهر البلاد في 2/ ديسمبر /1898م «عند دخول المستعمر» وخرج الموكب من السرايا لإنزال علمي الحكم الثنائي ورفع علم السودان ذي الألوان الثلاثة «الأزرق الأصفر والأخضر» ايذاناً باستقلال البلاد في تلك اللحظات أجهش السيد عبد الرحمن المهدي بالبكاء عند رفع العلم السوداني وكان إلي جواره السيد علي الميرغني وأعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء البرلمان وقد تم إطلاق عشر طلقات من المدفع الذي كان وما زال جوار القصر الجمهوري في سرايا العلم، شكر السيد إسماعيل الأزهري في كلمة الدول التي سارعت إلى الاعتراف باستقلال السودان والدول التي ساعدت في إنجاز الاستقلال. ولكن بكل أسف نكست الأعلام في إفريقيا ولم ينكس ذلك العلم الذي رفعه الأزهري خفاقاً في سماء السودان يوم وفاته 28/اغسطس/1969م وكان يُدعى حكيم إفريقيا بين الرؤساء.. والعلم الذي نشاهده اليوم هو ليس علم الاستقلال الأول حيث استبدل واصبح علم دوله إفريقية أخرى. الحمد لله لقد كنا حضوراً في لحظات رفع العلم بجوار تمثال كتشنر باشا وظل الأمر في الذاكرة إلى يومنا هذا.