عام واحد، 12 شهراً، 363 يوماً.. هي المسافة الزمنية الفاصلة بيننا وبين يناير 2011م، موعد استحقاق الاستفتاء. إنه الامتحان الذي «يكرم السودان فيه أو يهان».. إكرامه بالحفاظ على وحدته واستقراره، وإهانته وهوانه في انقسامه وتجزئته، بكل ما يترتب على الانفصال والتجزئة من صراعات وحروبات وضعف وهزال. فلم يبق أمامنا إلاَّ القليل من الوقت، وإضاعة أي يوم منه في ما لا يفيد ذلك الهدف المركزي، المتمثل في الوحدة والاستقرار، يعني إهدار فرصة ثمينة سنعض أصابعنا يوماً على تفويتها ندماً وحسرة. بالأمس صحوت صباحاً، وتحت ضغط هذا الهم وعلى وقعه اتصلت بصديقي وصهري د. الفاتح محمد السعيد، وزير الدولة بوزارة الطرق الجسور، لتحيته وتهنئته بحلول العام الجديد «2010» الذي أسميناه بالأمس عام أن نكون أو لا نكون، ومن ثم انتقلت لأسأله عن ماذا فعلوا من أجل مد «طريق السلام» من ربك إلى ملكال وعاصمة الجنوب جوبا، وماذا فعلوا من أجل إحياء خط السكة الحديد من أويل إلى واو؟ أجابني د. الفاتح أن طريق السلام جاري العمل فيه وقد وصلت ردمياته من الرنك إلى فلُّج ومناطق البترول، وأنه تم الاتفاق على سفلتته حتى ملكال مع إحدى الشركات الصينية للقيام بذلك بعد أن تم توفير المال اللازم. أما بخصوص الطريق من مكال إلى جوبا فسنعمل أولاً على توصيله إلى بور ومن ثم إلى جوبا، فطبيعة الأرض بين بور وجوبا طبيعة صخرية مما يقلل التكلفة خصوصاً وأنه قد رصف في ما مضى بالخرصانة. أما في ما يتعلق بمد الخطوط الحديدية بين أويل وواو - يقول الفاتح - إننا في الحقيقة قد مُنعنا بواسطة الأهالي في تلك المناطق من العمل، حيث كانوا يرفضون أخذ الرمال الخرصانية لعمل الطريق اللازم لحركة الآليات والعمال، كما كان بعض المتفلتين من الجيش الشعبي يمنعون وحدات الشرطة المكلفة بحراسة وتأمين العمل والعمال من التحرك في المنطقة، وكان ذلك ولا يزال يحتاج لاتفاق مع قادة الحركة الشعبية لتأمين مسارات العمل وحركته. وأضاف د. الفاتح أنه تم أيضاً الاتفاق مع صندوق دعم الوحدة والتوقيع عليه لتوفير المال اللازم لإنشاء ثلاثة موانئ نهرية في الجنوب، وأن هذا الصندوق قد وفر خلال العامين الأخيرين أكثر من 600 مليون جنيه بغرض توفير بعض المشاريع الداعمة لجعل الوحدة جاذبة، كما أن رئيس الجمهورية قد تبرع برصف الطرق الداخلية لمدينة جوبا منذ ثلاثة شهور. وبرغم إفادة د. الفاتح الإيجابية، فإن الرأي عندي أن ما تم تحقيقه وما يجري العمل لإنجازه قليل جداً ومحدود جداً، إذا ما وضعناه في ميزان العمل اللازم وما هو مطلوب لجعل الوحدة جاذبة، فقد أنفقنا وقتاً طويلاً - جل سنوات الفترة الانتقالية - في تجاذبات الشريكين وخلافاتهما السياسية ومعاركهما القانونية، التي كان يجب أن لا تلهينا عن الواجب الرئيسي المتمثل في جعل الوحدة جاذبة. ولكن دعونا نكف عن ندب حظوظنا أو البكاء على اللبن المسكوب ويحاول كل منا إيقاد شمعة في طريق الوحدة الجاذبة، عل وعسى أن يهدي الله قومنا - جنوباً وشمالاً - إلى إدراك فضائل الوحدة للجميع ومخاطر الانفصال على الجميع أيضاً. إن العمل لجعل الوحدة جاذبة، ليس عملاً تنموياً أو جملة من المشروعات يجري تنفيذها، وعلى أهمية ذلك، فإن مثل هذا العمل يجب أن تصحبه تحركات سياسية لبناء الثقة بين الشمال والجنوب، مثل ذلك الحراك الذي شهدته جوبا بذلك المؤتمر الذي تنادت إليه كل الأحزاب السودانية، والذي أجهض بعض ثمارة المرجوة اعتزال المؤتمر الوطني له، وكان يمكن أن يكون مقدمة لوفاق وطني شامل، لولا ذلك الاعتزال تحت ذريعة أن اللقاء كان موجهاً ضده، بينما الأمر في حقيقته لم يكن كذلك وإلاّ لما وجهت الدعوة له أصلاً. كما أن العمل لجعل الوحدة جاذبة يتطلب أيضاً حراكاً لتفعيل بنود المصالحة الوطنية الواردة في مقررات نيفاشا، والتي لم تشكل لها لجنة أو مفوضية ولم تفعل على الرغم من أهميتها لاستعادة الثقة بين شطري البلاد، فتشكيل لجنة ل«الحقيقة والمصالحة» ضروري في هذا العام الأخير، حتى تقوم بدورها في إرساء السلام في النفوس عبر إجلاء الحقائق وإنجاز التعافي والتصالح. نحن كذلك في حاجة لدور منظمات الشباب والمجتمع المدني الشمالية، بالاتجاه جنوباً للعمل الطوعي بمختلف ضروبه للمشاركة في عمليات تشييد الطرق والجسور، وأعمال البنى التحتية وتشييد المدارس والمستشفيات جنباً إلى جنب مع المنظمات المثيلة في الجنوب، ولدور الفرق المسرحية والغنائية والرياضية في التواصل الثقافي والرياضي بين شطري البلاد، مثلما نحن في حاجة لتنشيط التبشير بالوحدة عبر الندوات المفتوحة والسمنارات وورش العمل في كل مدن الجنوب، تبشيراً تقوم به اتحادات الكتاب والأدباء والمحامين والتنظيمات النسوية، وقيادات الأحزاب الشمالية. نعم، لم يبق أمامنا طويل وقت لنُضيعه في التجاذب السياسي وتبادل الإدانات والاتهامات والتنابذ بالألقاب، فعلى كل منا أن يتحمل مسؤوليته ويبذل ما يستطيع من جهد من أجل الإبقاء على هذا الوطن واحداً موحداً ومستقراً، وفي هذا فليتنافس المتنافسون.