أيقظت بداية الحملة الدعائية للأحزاب النائمين في بيوتهم والجالسين في الأرصفة والصامتين ابتغاء مصالح لهم للخروج علناً.. كل يغني على ليلاه بطريقته الخاصة.. تحت سقوف دار المؤتمر الوطني هناك من يصلح عنوان آخر كتاب أصدرته الكاتبة الجزائرية أحلام مستنغانمي، وصفا لحالته وحالة الحزب الذي ينتمي إليه (قلوبهم معنا وقنابلهم علينا) وفي مفاصل حزب الأمة بدأت الرسائل ما بين المهدي والخارجين عليه من إصلاحيين وأمميين، وحتى د. الفاتح في وزارة النقل بعد أن حسم أمره وقرر مصيره لم ييأس المهدي من خير فيه.. وميرغني عبد الرحمن الحاج سليمان الاتحادي الديمقراطي الوحيد الذي يحتفظ برصيد في البنك الجماهيري، تقاربت المسافات بينه والسيد الميرغني.. ومناخات الانتخابات جمعت فرقاء في الوطني، وطلقاء في الشعبي، ومتمردين في السلطة، وسلطويين في المعارضة، وأكبر مستفيد من حملة التجميل التي تعيشها بلادنا هذه الأيام محلات الغسيل الجاف في الخرطوم لنظافة البدل القديمة والعمائم، التي تبدل لونها وأصبح تجار المراكيب أثرياء قبل موسم الانتخابات، حيث يقتضي الوضع الراهن إصلاح ما أفسده دولاب الملابس.. أين البرنامج الاقتصادي والسياسي للمرشحين وبرامج الإصلاح الاجتماعي لتقوية النسيج الوطني، وما يترتب على استحقاق الجنوبيين من وحدة طوعية أو انفصال طوعي؟ عندما تختزل الأحزاب كل برامجها في تقاسم مقاعد الحكم والسلطة، وكيف تتم إزاحة الآخرين تسقط التجربة الديمقراطية قبل نضوج ثمارها.. سقطت ديمقراطية 1986م في دائرة الصحافة جبرة حينما أختزلت كل الأحزاب أهدافها في الطرق المثلى لإسقاط د. الترابي الأمين العام للجبهة الإسلامية حينذاك، بعض من القوى التي تحالفت مع الترابي تعتبره حينذاك رمزية التيار الإسلامي الداعي للتغيير وبعضها يمثل اليها الترابي الوجه الآخر للنظام الذي سقط في السادس من أبريل.. تدخل الخرطوم في مقبل الأيام القادمة حقبة جديدة وفصلا آخر للديمقراطية التعددية، تمتد فيه الأيدي الخارجية لجيوب الأفراد والأحزاب، من ظلال المنظمات والسفارات التي منحت دولاراتها من قبل لمن خدعوها بأنهم (قادرون) على مواجهة الأصولية الإسلامية، فقط تعوزهم الدولارات لاصدار الصحف والكتب ومراكز البحوث والإعلام، وذات الأيدي التي تقبض المال الأجنبي من أجل محاربة الأصولية الإسلامية، تفتح لها الخزائن لتحصل على المال اللازم لدعم المرشحين حتى يسقط آخر إسلامي في أطراف الخرطوم.. المؤتمر الوطني عن هؤلاء منصرف لصراعات هامشية من يأتي ومن يذهب؟؟ وهل أصبحت كل القضية في ذوات الذين يجلسون على كراسي السلطة أم لماذا يجلسون؟ يأسى المرء لقيادات تصغي بآذانها وتفتح مكاتبها للإصغاء لمن يحدثها عن فلان إبن الولاية وعلان ليس من الولاية؟ في محاولة لإسقاط حتى قانون الانتخابات وأهلية الناخب!! وهل أصبحت كل القضية (كونتينات) أثنية وعرقية وقبلية؟ وما جدوي الانتخابات نفسها إذا سقط خطاب المرشحين ومن يساندونهم لمستنقع القبلية والجهوية؟.