يؤكد المحققون الثقات من المؤرخين، أن الشعوبية قد لوثت بقصد، وسبق إصرار، سيرة أعظم خلفاء بني العباس، في مسعىً لخلخلة الدولة العباسية، وسحب البساط من تحت أقدامها، للعديد من العوامل، أهمها الثأر لمقتل أبي مسلم الخراساني، على يد المنصور، بعد أن أبلى بلاءاً حسناً في تفكيك دولة بني أمية، ذات النزعة العروبية، وإقامة الدولة العباسية، التي وظفت ولاء الفرس لآل البيت، لتحقيق طموح الرعيل الأول من الأباء المؤسسين، لدولة بني العباس، على أنقاض الدولة الأموية.. وكان من الأسباب أيضاً: الثأر للنكبة الماحقة التي ألحقها الرشيد بالبرامكة، الذين آذروه في إرساء دعائم الحكم، وكانوا من خلصائه المقربين.. وكانت الشعوبية تتستر عبر تاريخها، تحت شعارات براقة، على رأسها موالاة آل البيت، والثأر لمقتل الإمام الحسين، ولكنها كانت تستهدف بعث وإحياء الدولة الساسانية.. وإحياء وتجديد أمجاد الأمبراطورية، والعقائد الوثنية الضالة كالزندية والزرادشتية، التي قضت عليها الدعوة الإسلامية.. وقد ظل هذا الحلم يرقد في تلافيف الذاكرة القومية لكل من ينحدر من هذا العرق.. وتشويه التاريخ الذي أشرنا إليه، حوَّل سيرة أعظم الخلفاء ( هارون الرشيد بن المهدي ) من حاكم ورع عادل، إلى دون جوان، يقضي كل وقته بين الجواري والغلمان، في مجالس اللهو والطرب والمجون، وكانت ( ألف ليلة وليلة ) هي المسرح الأدبي والترفيهي، الذي، تجلت فيه مشاهد تشويه تلك السيرة العطرة للرشيد، ولم تقتصر محاولات التشويه، والافتراء على الرشيد وحده، بل طالت كل أفراد أسرته: أخوه إبراهيم بن المهدي، وزوجته زبيدة، وأخته عُلَيَّة التي اشتهرت بلقبها ( العباسة ).. والأدلة الدامغة التي اعتمدها المورخون الثقاة لدحض الافتراءات التي روجتها الشعوبية في كتب السير والأخيار، أنها لم شتكتب في عصر ازدهار الدولة العباسية، بل كتب جلها في العصر العباسي الثاني، الذي كانت السيادة الفعلية فيه للشعوبيين، وأصبح الخليفة مجرد رمز، يحركه قادة الجيش والوزراء المسيطرون، لتحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم.. ويحتاج الأمر لتضافر جهود المؤرخين والعلماء الثقات، لتنقية التاريخ العباسي مما شابه من صور ووقائع وأحداث لا أصل لها وإثبات الحقائق التاريخية الفعلية.. لقد رأيت أن ألج إلى الموضوع من هذا المدخل، لأن الشخصية المحورية التي، كنت أزمع الكتابة عنها، وهي عليّة بنت المهدي، أخت الخليفة العباسي هارون الرشيد، طالت سيرتها يد التشويه المتعمد، ونسج رواة الأخبار عنها (دراما كاملة العناصر ) وقد قيض لتلك القصص والأخبار أن تجسد في أعمال أدبية رفيعة.. ففي الرواية كتب عنها جورجي زيدان في سلسلته ( روايات تاريخ الإسلام ) غير المبرأة عن الغرض.. وفي المسرح تناولها عزيز أباظة، كما تناولها البروفيسور عبد الله الطيب في مسرحيته الشعرية ( زواج السمر ).. ومما يؤسف له أن جميع المعالجات الأدبية، اعتمدت على المصادر الشعوبية غير الموثوقة، وقدمت شخصية العباسة، كمحظية رخيصة، قصاراها إشباع نزواتها ورغباتها الجنسية..وللحديث صلة..