قرار إعفاء القائد العام للقوات المسلحة وإحالته للمعاش له معان ومغزى كبير، القرار أحدث جدلاً مثيراً بين أوساط الرأي المختلفة ،فالرئيس البشير تبعاً للقرار أصبح شخصية قومية دون الانتماء للمؤسسة العسكرية التي رضع من ثديها من رتبة الملازم ثاني وحتى وصوله إلى أعلى الرتب العسكرية في الجيش... وبهذا القرار الشجاع وفي هذا التوقيت بالذات أراد البشير أن يثبت للعالم أجمع ومعارضتنا الداخلية خاصة أنه لا يستمد قوته وشخصيته «الكارزماتية» من كون أنه ينتمي للمؤسسة العسكرية ،بل لأنه أصبح شخصية قومية وأجبرته عددية من الأحزاب السياسية ليكون مرشحاً للبلاد للانتخابات الرئاسية القادمة. وفي لقاء رموز أحزاب «التوافق الوطني» على ترشيح البشير لرئاسة البلاد لدورة قادمة مع الرئيس البشير، أكد للمؤيدين «تحقيق التحول الديمقراطي» وفق انتخابات حرة نزيهة لاستكمال مسيرة السلام والاستقرار بالبلاد. وفي حديثه معهم أضاف البشير أن ثورة الإنقاذ منذ مجيئها وضعت أهدافاً محددة ،في مقدمتها تحقيق السلام والوحدة الوطنية والالتزام بالتفاوض والحوار لحلحلة مشاكل السودان المستعصية في مجالات عدة سياسية واقتصادية وأمنية وتنموية وغيرها من المشاكل الأخرى. ويأتي ترشيح الرئيس البشير للانتخابات القادمة رئيساً للبلاد في إطار الإنجازات العظام التي تمت في عهده الذي استمر ما يزيد على عقدين من الزمان وحتى الآن، وهذا التوافق الذي نبع عن قناعة لترشيح البشير للرئاسة لم يأت من فراغ، بل يعتبر حدثاً تاريخياً لما شهدته البلاد من تغيرات جذرية في البنية التحتية بكل ولايات السودان بالإضافة إلى انتشار الوعي ونشر التعليم وانحسار نسبة الأمية بإرساء العديد من المؤسسات التعليمية. ولأن الرئيس البشير أصبح شخصية عالمية تخطت حدود السودان والإقليمية وتصدت للكثير من المشاكل والمواقف الدولية والقرارات الجائرة التي صدرت من الأممالمتحدة والدول الكبرى و«صمد» أمامها بحنكته السياسية العسكرية وقوة شخصيته واسلوبه المتميز في إدارة البلاد وحكمها. كل هذه الخصائص والسمات القيادية وضعته في مصاف القادة العظماء في العالم. الانتخابات بكل مستوياتها الرئاسية والبرلمانية اقترب موعدها، ورجل الشارع الآن يتلفت يميناً ويساراًً ولا يرى أي استعداد للأحزاب السياسية لخوض الانتخابات ولا يقرأ عبر الصحف أو يسمع عبر الندوات لأي حزب يقدم البرامج والسياسات التي توضح «المنفتسو» الانتخابي لها.. وكل الذي نسمعه جميعاً كلمة الاعتراض ..الاعتراض.. الاعتراض.. ويأتي هذا الصوت من جانب المعارضة.. الاعتراض على أي شئ ، على قيام الانتخابات.. على ترشيح البشير على عدم استقالة الولاة قبل الانتخابات.. على تقسيم الدوائر الانتخابية، وكل ذلك يعني أن المعارضة لا تريد انتخابات تقام لذا يصبح شعارها المرفوع .. التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة فرقعة بالون في الهواء. وتبقى التحديات قائمة،كيفية تأمين إنجاح العملية الانتخابية أمام كافة السلطات المختصة من أجهزة أمنية وشرطية بالإضافة إلى استكمال بنود نيفاشا. ومسائل أخرى تتعلق بضبابية العلاقة بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية «شريكا نيفاشا».. وهنالك أيضاً على الطرف الثالث المفاوضات الجارية بين الحكومة والحركات الدارفورية المسلحة ودور الدول الصديقة التي ترعى المفاوضات. عموماً نقول: إنه وفي الفترة المتبقية وحتى قيام الانتخابات لابد لنا جميعاً .. أن نتحلى بالصبر والحرص على ممارسة الحق الدستوري للمشاركة في الاقتراع واختيار الأنسب والأصلح للمواقع القيادية في البلاد.. بعيداً عن العصبية والقبلية والجهوية ،وعلى جميع المواطنين تجنب أعمال العنف والشغب والتخريب والالتزام بمبدأ سيادة القانون.. وعلى الجميع أيضاً أن يضعوا في أذهانهم أن أهمية الانتخابات القادمة هي تحديد خارطة جديدة للسودان، وأن ما تفرزه من نتائج سيترتب عليه رسم سياسة جديدة لخروج السودان نهائياً من كافة مشكلاته المستعصية.